عندما نضيع في زوبعة من الحيرة، حينها تسيطر على عقولنا لحظة من الجنون، فنحاول انقاذ أنفسنا حتى لو اختبأنا وراء ظلالنا، ها نحن ذا، نسأل أنفسنا للمرة الألف، عن الطريقة التي سنتعافى فيها، عن اليوم الذي سنعود فيه إلى البلاد؟!
نحن نعيش حقاً، إبادة، إبادة جماعية، أحداثها المرعبة لا تغادر مخيلتنا، ولا تغادر قلوبنا، فبكل ثانية تدور بها عقارب الساعة تجعلنا نقف لوهلة من الزمن، علّنا نجد المأمن والأمان. مرة تلو الأخرى نجبر أن نركض بعشوائية، يميناً وشمالاً، تارة هنا وتارة هناك، وبكل مرة، يحاوطنا لهيب الخوف، فيرمي بنا لقدر جديد، فنجد أجسادنا داخل منفى مختلف، بزمان مختلف وموت مختلف لكن لا نجد لهذا الموت مراسم ولا للوجوه ملامح، كلنا تائهون، نبحث عن بِلادنا، مدينتنا، غزتنا، كلنا نحمل على أكتافنا أطناناً من الحنين والاشتياق فنقف حائرين نتفحص من حولنا وجوه المارة تارة وكل المعالم الملقاة تارة أخرى لعلنا نلمح طيف الأحبة بعد غياب قلوبنا مثقلة منهكة كعجوز ألقوه سنوات عدة في الظلام مقيداً ثم قالوا له قم وانطلق مهرولاً لحلمك المستحيل.
لكن هذه القلوب العجوز تنبض بالحب والشوق للقيا الأحباب وكلنا يقين أننا لن نلتقي فقد سبقونا بخطواتهم إلى البعيد ووارت هذه الخطوات الثرى بكل منفى ننزح إليه تارة نستسلم وتارة نقاوم وما بين الخطوة والخطوة نصارع البقاء فنبحث بين ركام هذا المنفى عن بقايانا لعلنا نجد شيئا من ريح الراحلين!
فنعود متسائلين، هل سنقوى على العيش وحدنا أم سننبش قبور الأحبة لنستريح بجانبهم؟ مهلاً… ماذا إن لم نجد قبورهم؟! هل سنقول فيما بعد سنبحث عنهم؟! ولكن ماذا لو قيل لنا إن حياتنا، ماضينا، صورنا وذكرياتنا وأجساد أحبابنا تدفن تحت الركام، ماذا عسانا بفاعلين؟! هل سننبش بأيدينا بحثا عن بقايا رفات؟! ثم نقطع هذه التساؤلات بأصوات من الداخل نصرخ بملء أفواهنا يا الله.. رفقا بقلوبنا المنهكة..