سياسة

هل يسُن البرلمان القوانين؟ أم يُسَن بها هو والمواطن؟!

سبتمبر 2, 2024

هل يسُن البرلمان القوانين؟ أم يُسَن بها هو والمواطن؟!

في السابع عشر من يناير الفائت وافق المجلس التشريعي المصري على تعديلات بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية التي تحرم المواطن ببساطة من جانب مهم من حقوقه بدءا من التوقيف والتفتيش مرورا بالإحالة وحتى سير القضية إلى منتهاها. قد ينُشر هذا المقال وأنا أواجه هذا القانون الجائر وربما قد يتغير القانون مرة أخرى، لكنني أشك أنه سينحاز هذه المرة أيضا لصالح المواطن.


دعونا ننظر إلى أداء البرلمان المصري ورأيي في أداءه في هذا المِلَفّ منذ كنت أشرف بنيابتي فيه. قلتها بصراحة داخل البرلمان ومن خلال الإعلام إنني خائب الأمل في أداء المجلس التشريعي بل وقلتها صراحة أنه بالنسبة لرجل الشارع الذي تصلني به علاقة راسخة هو أداء محبط على أحسن الفروض. فالموافقة على ما ورد من الحكومة في المجلس التشريعي كما ورد تماما لا يمكن بأي حال أن يعد إنجازًا.


فبالله ما الإنجاز في أن يقر ٣٤٢ قرار بقانون في ثمانية أيام في نقاشات شكلية لم تمس الموضوع في صلبه الحقيقي. تكررت هذه الوقائع لدرجة أنه لما وافق البرلمان على حزمة قوانين كان من بينها قانون الخدمة المدنية قبل حوالي سبع سنوات واعترض البرلمان على مادة واحدة منه تجاهلته السلطة التنفيذية ولم تسقط المادة ولم يتم حتى العودة إلى القانون ٤٩ وظلت تطبقه في استخفاف بالدستور واستهانة بمجلس النواب، حتى عادت المادة للتصويت فبقدرة قادر وافق أعضاء مجلس النواب مجددا وقبلوا ما سبق ورفضوه كما هو بلا حتى بعض الرتوش .


القياس مثلا على ما جرى في أغسطس ٢٠١٦، أيضا إبان فترة نيابتي البرلمانية وعضويتي في تكتل ٢٥-٣٠، حينما ساق نواب السلطة كل المبررات المعقولة واللا معقولة لتمرير قانون القيمة المضافة الذي اعترض عليه التكتل ينطبق على أي محاولة قد تحدث لو حُرمت من حريتي واقترح قانون جديد للإجراءات الجنائية أسوأ مما مر. الحكومة في ذلك التوقيت في ٢٠١٦ اعتادت الكذب على المواطنين وتمرير الكذبات مع كامل احترامي للزملاء الذين قبلوا منها هذا السلوك . فحكومة شريف إسماعيل آنذاك استقطعت من النسب الدستورية المخصصة للتعليم والتعليم العالي والصحة والبحث العلمي لإنفاقها في أمور ثانوية ليست هي الأولوية وفقًا لواقع الحال في مصر ! ولم تقدم تبريرا وجيها واحدا لهذا السلوك الجائر على مخصصات الخدمات الأساسية للمواطن، والثمن ندفعه ويدفعه المواطن الآن في الشرائح الاقتصادية كافة.


في حوار سابق مع زميلي عمرو بدر في عام ٢٠٢٢، قلت صراحة إن النظام الحالي قدم نفسه بوعود تحسن الأوضاع في غضون سنتين، وطبعا حتى هذه اللحظة مررت من خلال المجلس التشريعي ومن خارجه أيضا قرارات وقوانين شديدة الخطورة على المديين المتوسط والطويل ليس على المواطن فحسب، وإنما على وجود الدولة المصرية ذاته ومواءمة ميزانها. من هنا ولما لم تجد السلطة ما تضربنا به أولا في كتلة ٢٥-٣٠ قبل استبعادها بعدم الاعتراف بفوز نوابها، واستمرت المكايدة السياسية أثناء التواجد في الحركة المدنية ممثلًا لحزب الكرامة وحتى هذه اللحظة التي أكتب فيها وقد منعت حملتي الرئاسية وأصبحت مهددا بالسجن، رمتنا السلطة بأكذوبة أننا ضد الحوار الوطني أو المجتمعي من حيث المبدأ. 


بالعودة لقانون الإجراءات الجنائية أو أي قانون يلزم تعديله أو تغييره لا على هوى السلطة وإنما لإصلاح عوار. وردي لم ولن يتغير، أنا دائما وأبدا مع الحوار الوطني والمجتمعي، لكن هناك أطر دستورية تنظم ذلك، فلما يكون هناك تشريع مهم في البرلمان ويحتاج البرلمان لقياس الأثر التشريعي والاجتماعي، ساعتها فقط يتم دعوة أصحاب المصلحة والأطراف المعنية بالمسألة، وينظم حوار لغاية محددة، لا يجب عمل البرلمان ولا يبطله! حتى الحوار السياسي لإقرار أمر ما لابد أن يكون منضبطا ومأطر بقواعد واضحة وأطرافه شركاء، ثم يعاد مرة أخر لبرلمان حقيقي يمثل السلطة والمعارضة ليناقش ويلقى مصير الرفض أو القبول. هذه التشريعات والقوانين كما يجب أن تكون، ولا يمكن بجرة قلم أن تتغير قوانين تؤثر على حياة آلاف المواطنين دون مسار قانوني ودستوري مفهوم.


سبق وقلتها صراحة وأنا رئيس للكرامة، وكان أيضا لعدم وجود قوام ولا أصول واضحة ودستورية لتغيير أي قانون، قلت: كل ما أعلنه رئيس الجمهورية من إجراءات اقتصادية في إفطار رمضان الذي وجهت فيه الدعاوى الأولى للحوار يجب ان يكون محل نقاش مجتمعي حقيقي ، وكذلك ما أعلنه رئيس الوزراء من إجراءات لمشاركة القطاع الخاص في المدارس والموانئ والمستشفيات مرفوض، مر وقت طويل على هذا الصدام، ماذا كسبنا الآن من تطبيق آلية الأمر المباشر خارج سلطة البرلمان والدستور؟ إصلاحات اقتصادية قصمت ظهورنا بالاقتراض والدين، انهيار للمنظومة التعليمية الحكومية، ومشروع لن يضر إلا المواطن بخصخصة القطاع الصحي. الخلاصة، قانون بلا مجلس تشريعي يمتلك كل أدواته وقبلها يمتلك إرادة حرة هو قانون معيب ولن يدوم طويلًا حتى وإن حالفه الحظ لبعض الوقت.


شارك