مدونات

المساعدات الإنسانية في السودان: فخاخ منصوبة للتعدي على السيادة

أغسطس 15, 2024

المساعدات الإنسانية في السودان: فخاخ منصوبة للتعدي على السيادة

   

اندلعت الحرب في السودان في منتصف أبريل 2023م وتكمل اليوم ما يقارب عاماً و أكثر على استمرارها، وفي ظل هذا الوضع يعايش حوالي 25.6 ملیون شخص – أي أكثر من نصف سكان السودان – الجوع الحاد، وأيضاً يوجد أكثر من 755,000 شخص على حافة المجاعة. كما یقدر عدد النازحین في السودان الآن بنحو 10.7 ملیون شخص (2.1 ملیون أسرة) و ذلك وفقاً لتقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في أواخر شهر يوليو الماضي.

 

و منذ بدء الحرب أعربت الحكومة السودانية عن تسهيل كافة القضايا المتعلقة بملف المساعدات الإنسانية -وذلك بعد اضطرارها تغيير العاصمة مؤقتاً نسبة لنشوب المواجهات داخل العاصمة الخرطوم- حيث قامت بتشكيل اللجنة العليا المشتركة للطوارئ و المساعدات الإنسانية برئاسة عضو مجلس السيادة الفريق إبراهيم جابر. فتح المعابر و المطارات و تسهيل التأشيرات ومنذ بدء الحرب قدمت عديد من دول الخليج على رأسها قطر و السعودية بتقديم مساعدات إغاثية للسودان عبر مطار بورتسودان (العاصمة المؤقتة)، حيث أعربت الحكومة السودانية عن تحفظها على استخدام المعابر البرية دون إذن إذ تبين لها أن قوات الدعم السريع المتمردة ومن خلال سيطرتها على المناطق الحدودية البرية غرباً مع تشاد وأفريقيا الوسطى وجنوباً مع دولة جنوب السودان تقوم باستخدام هذه المعابر للإمداد الذي يتضمن الأسلحة والغذاء والوقود لمقاتليها.

 

وفي وقت سابق من شهر مارس 2024 أكدت اللجنة المختصة التابعة للحكومة السودانية مباشرة إجراءات فتح المعابر والمطارات لتسهيل انسياب المساعدات، و أن المطارات التي تمت المصادقة عليها هي مطار كادوقلي ومطار الابيض ومطار الفاشر الذي سيكون حسب ما تم التصريح به مستودعا لكل المساعدات الإنسانية لولايات دارفور المختلفة بجانب مراجعة مطار كسلا الذي وعدت الأمم المتحدة بالمساهمة في صيانته. كما شرعت الحكومة كذلك في تنفيذ القرار المتصل بفتح المعابر في البوابة الغربية مع تشاد و جنوباً مع جنوب السودان من خلال معبري الطينة مع ولاية شمال دارفور، والرنك مع ولاية النيل الأبيض.

 

 بالإضافة إلى العمل على تسهيل استخراج تأشيرات العاملين في المجال الإنساني. الالتفاف على الالتزامات صرح مندوب السودان في مجلس الأمن الحارث إدريس وخلال الجلسة الماضية في أغسطس الحالي عن أن هنالك بعض الجهات الدولية التي أخلّت بالتزامها في استخدام المعابر الإنسانية المتفق عليها مع الحكومة ولجأت لاستخدام معبر أدري مع تشاد دون العودة لاطلاع الحكومة وذلك بحجة غزارة أمطار الخريف التي حجبت الوصول لمعبر الطينة المتفق عليه.

 

كما أشار الحارث إلى أن معبر الطينة يعد الأقرب إلى دارفور ومدينة الفاشر، التي تم اعتمادها لتكون مكاناً لتجميع المساعدات الإنسانية ومنها يتم التوزيع إلى بقية ولايات الإقليم، كما أن المعبر لا يحتاج إلى تنسيق مع السلطات التشادية.

 

وفي حال حدوث أي مستجدات كان يجب إطلاع الحكومة بذلك. وقد رصدت أجهزة الأمن السودانية عبور عدد من الجرارات التي تحمل الأسلحة وهي قادمة عبر هذا المعبر الغربي في يونيو الماضي، كما استخدم أيضاً لنقل الوقود بمعدل 200 برميل يومياً. و هذا يطرح سؤالاً مفاده لماذا تصر الجهات الدولية على استخدام هذا المعبر رغم تحذيرات الحكومة السودانية حوله؟ ألا يعد هذا ضرباً من التعدي على السيادة؟ من يتسبب في المجاعة؟

 

في الأول من أغسطس الجاري أعلن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مبادرة تضم عددًا من الشركاء منها وكالات الأمم المتحدة، عن وقوع مجاعة في معسكر زمزم الذي يأوي قرابة نصف مليون نازح وفقاً لشبكة أنظمة الإنذار المبكر للمجاعة. لكن تظل كل القضايا المتعلقة بالمجاعة تطرح سؤالاً حول من المسؤول من قطع الطرق و سرقة الإغاثة و تدمير المقدرات الإنتاجية للبلاد؟

 

هذا وقد ظلت قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب و لطبيعتها التخريبية و سلوكها غير المنضبط تعتدي على مباني السفارات في العاصمة والبعثات الدبلوماسية، وكذلك على مقار المنظمات الإنسانية و مخازنها و موظفيها وكان آخرها سرقة مخزون منظمة الغذاء العالمي WFP في ولاية الجزيرة بود مدني، وبالإضافة إلى تعطيل النشاط الإنساني قامت هذه القوات المتمردة أيضاً بسرقة محاصيل مزارعي ولاية الجزيرة و مدخلات الإنتاج و أدواته، و ضربت حصاراً عليها حيث تعد من أكبر الولايات المنتجة للمحاصيل الغذائية في البلاد والتي تحافظ بدورها على مستويات الأمن الغذائي في الوضع الطبيعي وقد خرجت الولاية من الموسم الزراعي نتيجة لتلك الممارسات من هذه القوات.

 

رغم هذه الدلائل الواضحة حول من المتسبب في المجاعة داخل السودان وتعطيل النشاط الإنساني لا زالت أصوات المجتمع الدولي خجولة تجاه إدانة قوات الدعم السريع المتمردة، و عوضاً عن ذلك يتم إلقاء اللوم على حكومة السودان، بالإضافة إلى حصر الأزمة فقط على أنها أزمة وصول في ظل تغاضي تام عن أن المانحين الدوليين لم يوفوا بالتزاماتهم تجاه الدعم الإنساني في السودان حيث لا تزال نسبة الإيفاء بالدعم 30% من جملة الاحتياج الكلي.

شارك

مقالات ذات صلة