سياسة

العاقبةُ للفاعلين

أغسطس 13, 2024

العاقبةُ للفاعلين


خسرتُ حبًّا عظيمًا، وأنا بعدُ مراهِق، فقط لأنني -على غير عادةٍ- لم أخض حربًا تليقُ بمشاعري تجاه الفتاة التي أحببتُ، كانت الصدمةُ مربكة أفقدتني التوازن، فسقطتُ وسقطت معي حكاية ما زالَ وجعها ينبض لليوم، لم أسامح نفسي على إفلاتِ يدي وقت وجوب العراك انتصارًا لحقّي في الحبّ، في مواجهة المجتمع والعائلة والتنظيم، والعالم.


منذ ذلك وأنا لا أفوِّتُ حقًّا، مهما بدا صغيرًا،هامشيًّا لا أوليّ، إلا وأصارع لأجله ولو على حياتي، تلقّيتُ الكثير من الإيذاء في المقابل، ورددتُ ما استطعت ردّه منه بكلّ طاقتي، لسنين طوال، في ذروة نشاطي وفي قعر سقوطي كذلك، بلا توقّف ولو لالتقاط الأنفاس، فقط كي لا أندم كندمي ذاك، أو أشعر للحظة أنّ حقًا ضاع منّي لأنّي لم أخض حربه.


“لستَ مهزومًا ما دمتَ تقاوم” أعلّقها على واجهة قلبي، لأراها كلّما اختُبرتُ في موقفٍ أو شعورٍ أو حياة، لم أنتصر كثيرًا “يا أيّها العالم أنا مهزوم، في الحبّ وفلسطين وحرب النجوم” على رأي أستاذنا الكبير أمين حدّاد، لكنّي لم أُفلت يدي في أيٍّ منهم طالما لم تنفلت غصبًا، لأنّي أعرفُ جيّدًا حدود مسئوليّتي عن الجهد والمحاولة والقيام بالدور، بعيدًا عن المآلات التي لن تعيبنا على أيّ حالٍ ما دمنا أدّينا ما علينا في وقته.


قد يبدو مخجلا أن أشعر بالإنجاز لمجرّد إلقاء قصائدي ومناقشتها في جمعٍ محدودٍ من المهتمّين الذين اجتمعوا سرًّا في بيت فقط ليستمعوا للشعر ويناقشوه، بعد منع حفل التوقيع الرسمي، وسحب النسخ واقتحام دار النشر وحملة تكفير وهجوم ، ومخجلٌ كذلك أن أحتفي بإقامة عزاء لأبي العبد في مقر حزب بحضور العشرات أو المئات بعد ضغوط وتهديدات وحملات إلكترونيّة وإعلاميّة.


لكنّها المقاومة، كما أفهمها، يستوي فيها الشعر بالقتال، خاصّة في مرحلة بهذا القدر من العفن والجنون، ويستوي عندي فيها دوري في الثورة والحرب والمعتقل، بدوري في إعلان قصائدي وقولها على ملأ ما دام في السلطة (أمنيًّا أو معمّمًا) من وصلت به التفاهة والإجرام لشنّ حرب عليها، ومنعها من الوصول لمن أراد قراءتها.


ليس انجراراً لمعارك “صغيرة” أو “هامشيّة”، ولا حتى إصرارًا على الاستفزاز أو الصدام كما ردّد الكثيرون، ولا- قطعًا- اشتهاءً للصعود على المسرح، وليس “فرط طاقة” أهدره هنا وهناك، إنّما “مقاومة” في تعريفها الأوليّ كردّة فعل واعية مضادّة لواقع مرفوض.


وما يصحّ في التحرير يصحُّ في الشعر، والموسيقى والكاريكاتير، ولا أعجب حين أكتشفُ أنّ الذين يردّدون كلامًا كالذي أردفته ويتّهمونني بالتسبب في الاعتقال (المبرر في نظرهم بسبب سلوكي) أو غيره من جرائم/عقوبات السلطة، هم ذات الذين يتّهمون المقاومة الفلسطينيّة بالتهوّر والتسبب في تدمير القطاع والإبادة الدائرة بحقّه، إذ أن المعيار عندهم مختلّ، لاختلال القيمة الجوهرية التي يُنطلق منها لقياس الأشياء والسلوكات.


وكما أنّ التبعة على صاحبها، فالفعلُ له كذلك، و”لا يُفتي قاعدٌ لمجاهد” في الحبّ كما في الحرب ، وفي الشعر كما في الثورة، وفي الحياة كما في كلّ شيء.


والعاقبةٌ للفاعلين.


شارك

مقالات ذات صلة