مدونات
أصحو من نومي علي يوم اعتيادي لروتين أشكو منه وأنتحب، أتناول طعاما يبدو قليل الملح وأتَذم؛ تُناولني أمي بالبديل لأخْرس به صرخات معدتي.
وفي إحدى المساءات يمن الله علي بلقاء صديقة عزيزة علي قلبي فأُجَدد انتعاشه وأغفو وعلي فاهي ابتسامة ساذجة.
في ظل ما نراه هل تظن أنني أنانية عندما أقُص عليك تلك الأسطر؛ الآن بعد أن سردتها شَعُرت كم أن حَيوانيتُنا غلبت إنسانيتنا!
وأننا نتباكى علي فلسطين ولا نبكي، نعيش ونتذمر من أجل الطعام بكل عجْرفة وكأن كُروشنا هي محور الكون .
هل تخاذَلنا عنهم من البداية أم فقط الآن بعد أن اعتدنا المشهد؟
أتفاجأ لم ما زالوا يصرخون باسمنا ويرددون أين العرب؟!
هل حقاً لا زال لدي ذلك الأب الفتات من الأمل أن نأتي لنجدتهم؟!
هل تظن تلك الأم التي تحتضن وليدها المصاب أن هناك قادم من أجلها؟!
أصراخ أول شهر لم يكف واحتجنا لعشرة أشهر لندرك أن المُصاب جَلل ؟
هل كنا معهم في السِلم لنقف معهم في الحرب؟.
غزة محاصرة منذ أعوام، فلسطين محتلة منذ ثمانين عاماً، كنا نشاهد ويلاتهم مع بعض حبات الفشار وربما إن تذكرنا ندعو لهم ولا بأس من مقاطعة لمنتجات اليهود يوما أو يومين ونظن أنها تفِي لنجدة صراخ بعض الأطفال .
الآن وقد اشتد البلاء واندلعت حرب لم يحدث مثلها هل سنفزع؟ ألم يسمع الفلسطيني بالمثل المصري الرديء ( الجري نص الجدعنة) نحن حتي لم نقترب لساحة الحرب حتي نعرف مما نفر!
هل نهرب من عدو نجهله أم لا ندرك من نحن وعما نحارب؟
أم فقط الفرار من نصرة أخوتنا والهروب من بقايا الإنسانية المتعفنة في قلوبنا؟
احترفنا نصف الجدعنة ومازال إخوتنا في الجانب الآخر هناك في انتظارنا!
هل كنا منذ عشرة أشهر نشاهدهم أم ورثنا عادة الركض من الحرب من أجدادنا أيضا؟ أكنا ندافع ببسالة عنهم في حرب ال٤٨؟ أكانت حقاً فلسطين قضيتنا وبوصلتنا أم غرتنا الأنا؟
هل حاربنا عنهم حتي تفطرت أقدامنا؟!
هل أكلت الحسرة من قلوبنا مع كل شبر من أراضي فلسطين المباركة وهو يدنس بأقدام ذلك العدو الوضيع؟
سمعت حديثا للشيخ عكرمة سعيد خطيب المسجد الأقصى وهو يقول “قبل إعلان احتلال القدس قَدِم علينا جنود ظننا أنهم من مصر والأردن قابلناهم بالعناق والتهليل ومن ثم اكتشفنا أنهم من اليهود”!
هل تري المُفارقة التي حدثت في تلك السنوات؟
هل كانت الإنسانية يوما ما من عادات الغرب ورأسماليتهم؟ لقد تعود الفلسطيني أن يأتوا إليهم فقط ليشاهدوهم ويلتقطوا بعض الصور وكأنهم حيوانات داخل أقفاص؟
يُوثِقون مدي ازدراء الوضع هناك وأنه لا إنسان يمكن أن يتطور في هذا الحال؟
ومن ثَم يرحلون وهم يتأففون من أرصفة المخيمات المهشمة ومن الطين العالق في أحذيتهم ومن رائحة الركام التي لا تغادر أنفهم.
ولكن والله وتالله أهلنا هناك ليسوا حيوانات في أقفاص معاذ الله ولكنهم أسياد العالم أجمع.
أهلنا لم يعلموا سوى أن التضامن معهم ربما يقتصر في صورة تيشرت أبو تريكة مكتوب عليها “تعاطفاً مع غزة”، وربما في كلمات محمد سّلام عندما اعتذر عن مسرحيته في الرياض، وما تبقي هي مجرد حملات وهمية من المقاطعة..
أذكر في صغري بعض المظاهرات حينما اشتد القصف علي غزة في عام ٢٠٠٨ كان الناس يجُوبون الشوارع ويُرددون “خَيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود.. الموت للأعداء”، مازلت أُرددها علي مسامعي منذ وقتها؛ ولكن حميتها في صدورنا كانت تختلف كان اليقين يملأ قلوبنا بأننا جيش محمد، والآن وقد مضي أعوام وأكل اليأس من قلوبنا وتغيرت البوصلة، تَرانا نهتف ذاك الهتاف وننادي علي جيش محمد الذي لا نعلم تلك الأرض الذي سيطِل منها علينا؟
اتضح لي الآن أننا نحن وأهل غزة نصرخ ذات الصرخات أين العرب؟ وأين جيوشه؟ كلنا ننتظر العون.
أستطيع الآن أن أقول يبدو وكأننا أحقر من أن ننال رضا هؤلاء الأشراف وأحقر من أن نُجْبر في شيئٍ من أجل نجدتنا لهم، ونحن والله لنعلم أنهم ليسو في حاجةٍ لنا بل نحن من في حاجه لهم ولبركتهم..
فقط علمت أن صراخهم وبحثهم عن عُروبتنا من الألم وليس من الأمل فينا.
وأظُن أن الجواب صار واضحاً شفاعة رسول الله لنا بعيدة المنال! فنحن ما بين بكاء وتَباكي وهكذا تمضي بنا الأيام!