مدونات
تخيل .. نزوح أكثر من مليون شخص وقصف منازلهم، وعشرات الآلاف من الشهداء، وقصف المستشفيات والمدارس والجامعات ومخيمات اللاجئين، وتدمير البنية التحتية وقطع كل سبل الحياة، حتى أصبحت المدينة باللون الرمادي الذي اختلط باللون الأحمر، وأصبح مصير من نجا بحياته هو العيش في العراء، وحتى من لجأ للعراء تم قصفه، وملاحقة من نزح من شمال غزة إلى الجنوب ثم ملاحقتهم مرة اخرى للعودة للشمال، وعند العودة عبر الممر “الآمن” يتم قصفهم، فما سبب كل هذا؟!
لا نحن فقط نحارب الإرهاب، ونبحث عن حوالي 100 رهينة!! كانت تلك إجابة المسئولين في البيت الأبيض، وأيضا تصريحات نتنياهو وكيانه.
فلماذا لا تصرح اسرائيل على الملأ وتقول: نحن نريد الباقي المتبقي من أرض فلسطين، فالاحتلال والاستيطان والاستعمار والإبادة الجماعية للسكان الأصليين للأرض، كلها مصطلحات ليست بجديدة على المجتمع الغربي، فلن يندهشوا كثيرا، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث أصبح نتنياهو “عالقا” في غزة، فخطته كانت تدمير المدينة وتهجير أهلها، ليتمكن هو من التوسع وكسب مساحة جديدة للاستيطان، فنصف الحلم قد تحقق وهو قطع كل سبل الحياة، والنصف الآخر من الحلم لم يتحقق، فمصر أغلقت الأبواب، وأمريكا لم تعد الداعم القوي خاصة بعدما ثار شعبها بل العالم أجمع، لأنه من الواضح أن مصطلح “معاداة السامية” لم يعد يعمل بشكل جيد، والفضل يرجع لعالمنا الرقمي الذي نعيشه الآن، إذن فماذا سيفعل نتنياهو بالبشر العالقين هناك؟ّ!
وفي ظل تلك الأحداث تذكرت مقولة هتلر عندما قال :”اليهود يوما ما سيلتهمون الأمم الأخرى ويصبحوا سادة الأرض” فلماذا كان يكره هذه الفئة البشرية بهذا الشكل؟! وهل حقا تحققت نبوءته؟ هل ما نراه الآن هو عقاب جماعي لما فعلناه في حق أنفسنا، أم تنتقم تلك الفئة من كل العالم على ما فعله “النازي” بحقهم؟ فهي تستعمل القوة العسكرية في الشرق الأوسط لنشعر بالعجز والخوف، وتستخدم المال وبقوة في الغرب لتنطق الألسنة بما تريد وتفعل “اللوبي الصهيوني”، فلماذا نساعدهم نحن العرب ونحقق نبوءة هتلر أيضا عندما قال: “أحقر الأشخاص الذين قابلتهم هم هؤلاء الذين ساعدوني على احتلال بلادهم”.
فبعد أحداث السابع من أكتوبر كانت المساعدات الإنسانية تتدفق عبر معبر رفح، الذي أصبح محط أنظار العالم بل ومحطته، لكن الشقيقة فلسطين لا تريد الدواء بعد الجرح، بقدر ما كانت تحتاج للوقاية والحماية من عدو بربري شرس، كانت تحتاج أن يتحد الوطن العربي ولو لمرة واحدة، ليقف أمام ذلك العدو الذي لا يعرف حتى أخلاقيات الحرب، وهي عدم قتل النساء والأطفال والشيوخ والمرضى والعزل، كانت تحتاج أن نتحرك ولو خطوة للأمام وبكل شجاعة، لتعرف القوى العظمى و”طفلها المدلل” أن بلادنا غير مستباحة، وأن ثرواتنا التي تلهث وراءها وتقيم الحروب على أراضينا بسببها هي ملك لنا، وأن الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط أصبحت فكرة قديمة يجب تحديثها.
وأيضا تلك المحمية الأمريكية التى تسمى “إسرائيل”، كان لابد أن تدرك أن أعدادا من تحت الارض تتجدد تلقائيا ولن تنتهي أبدا، وأن المقاومة تزيد مع توسع دائرة العنف، وأن عمليات الاغتيال التي تشنها إسرائيل هنا وهناك ستزيد الأمر تعقيدا، وأيضا استهداف الصحفيين وحظر بث القنوات التليفزيونية الإخبارية، لن يخفي المجازر التي تحدث على أرض الواقع، إذن فمتى سيتحقق الحلم الصهيوني بالاستمرار بالتوسع لتحقيق الحلم المنشود؟!
وأخيرا.. من بعد غزة وشعبها الصامد المجروح، الذي أصبح منذ شهور بلا طعام ولا مأوى، أمام انظار العالم “العربي” والغربي معا، غير قادرين على وقف الإبادة الجماعية بحق شعب أعزل لا يملك غير المقاومة من تحت الأرض، وكأنهم يقولون: عذرا أيها الفلسطيني فلتواجه طائرات ودبابات وقنابل نتنياهو بمفردك، فقد أصبحت أشاهد رؤساء العالم كأنهم أعضاء في فرقة مسرحية، يلعبون دورهم لكن ليس بإتقان، والشعوب هو الجمهور الذي لم يختر سيناريو المسرحية ولا أبطالها، لكنه يشاهد عروضها السخيفة ويضحك حتى البكاء، لأن “شر البلية ما يضحك”.