في مشهد “عظيم” لا يمكن أن يغفله إنسان على وجه الأرض، ولا يستطيع منصف من المهتمين بحقوق الإنسان أو الباحثين في أي مجال أو منظمة هدفها خدمة الإنسانية وإعلاء قيم العدل والتسامح أن يتخطاه. رسول الإنسانية، محمد صلى الله عليه وسلم، تمر عليه وهو جالس مع أصحابه جنازة فيقوم واقفاً، رسول الله، قائد الأمة، رئيس الدولة الإسلامية، يقف لجنازة لا يعلم صاحبها وعندما يخبره الحاضرون أنها ليست جنازة لمسلم فيستنكر ذلك رسول الله ويجيبهم “أوَليست نفس؟!”.
إن كان هذا هو الحال في احترام النفس البشرية أيا كان انتماؤها، يحدث هذا وهي حتى قد فارقت الحياة فلا تقدير في هذا الموقف قد يفيد ولا غيره قد يضر، ولكن هو التزام أخلاقي يجب أن نتعلمه وأن يكون نبراسا نهتدي به في تعاملاتنا .
أذكر هذا الموقف قبل أن أتحدث عن واقع مرير وعن مستوى من التبلد وعدم الاكتراث لا يمكن أن تقبله نفس سوية أو يرضى به عقل رشيد .عشرات الآلاف تقبع في السجون سنوات عجاف بلا محاكمة أو اتهام حقيقي، ويصبح الإنسان مجرد رقم والعمر عبارة عن مجموعة من التجديدات اللامتناهية. وحياة أسر بكاملها تتحول إلى جحيم، فبين ليلة وضحاها تجد الأسرة نفسها بلا عائل! ويجد الأبناء أنفسهم بلا أب أو ربما بلا أم، آباء وأمهات يقتلهم الحزن على أبنائهم الذين غيبهم الظلم والغشم.
تتبدل الأحوال التي تعيشها الأسر وأغلبها غير مستقر بشكل كافٍ بالأساس، فبعد المعاناة اليومية المعتادة لتوفير متطلبات الحياة العادية تأتى معاناة أكبر وأشد وتضاف أعباء أخرى من محامين وزيارات وغير ذلك، والأكثر بلاء معاناة الفقد، فقد أحد أفراد الأسرة.
الآلاف من المصريين يقضون سنوات في السجون بلا جريمة ارتكبوها وبلا سبب، فبين من يحاكم في قضايا واهية وبين من يقضى مدته بلا محاكمة أصلا تمر سنوات لا يكترث لها مسؤول ولا يتحرك لها وجدان أو يهتز لها ضمير .
إن كان هذا التوقيف يتم وفقا للقانون فهذا قانون لا إنساني، ويجب أن يتم تعديله فوراً وإن كان خارج إطار القانون كما هو الحال مع آلاف الأشخاص فتلك هي الجريمة التي تحتاج لقانون ليمنعها ويحاسب مرتكبها.
كيف يعقل أن يتم توقيف المارة في الشوارع وانتهاك خصوصيتهم عبر ” تفتيش ” هواتفهم النقالة، أو تخترق صفحات التواصل الخاصة بهم، أو تراقب محادثاتهم مع الأهل والاصدقاء بلا إذن قضائي، بل واعتبارها أحرازا في الاتهام الذى يوجه لهم؟! كيف لا يخجل كاتب المحضر من نفسه ويعتبر أن جريمته سندا لاتهام غيره؟ كيف يصل الحال بمصر أن يكون دعم فلسطين جريمة ورفع علمها ممنوع ومناصروها خلف القضبان؟!
أصبحنا نرى أجهزه أمنيه تستشرف المستقبل فتحاسب على النية فباتت جملة أن المتهم “قد انتوى، أو اعتزم على ..” أمرا عاديا يكثر تكراره!
ما يجب أن يراجعه الجميع وأن يعيه كل مسؤول في هذه الدولة أن حياة أى إنسان يعيش على أرض مصر يجب أن تصان وتحفظ وفقاً للدستور والقانون، وألا يعاقب أى شخص إلا على جريمة ارتكبها فعلاً وأن يعاقب وفقاً للقانون وتراعى آدميته ولا تمتهن كرامته.
ولعل ما يجب أن نتوقف عنده كثيرا جدًا هو “وبعد مرور بضعة أشهر أو سنوات يخرج رقم” يخرج وفقط، يخرج دون أن يخبره أحد لمَ أتى وكيف خرج، يخرج دون حتى أن يقدم للمحاكمة، يحدث هذا دائما ولم نسمع عن محاكمة لضابط أخطأ أو محاسبة لشخص أهمل أو حتى مجرد اعتذار.
المواطن المصري، حُرّا في شوارع وطنه أو سجين رأى حُرّا خلف القضبان، ليس مجرد رقم ولن يكون، إنها نفس عزيزة ومن حولها نفوس محبة فاحفظوا لها قدرها، فإن من يعرف قيمه النفس وحرمتها لا يجرؤ على المكر لها.