سياسة

“الطوفان”.. سفينة نوح للنجاة من الطوفان

يوليو 12, 2024

“الطوفان”.. سفينة نوح للنجاة من الطوفان

كيف يكون “الطوفان” طوق نجاة من الطوفان٬ بل كيف يكون الإقبال على الموت حياة! تعطينا غزة وطوفانها كل يوم من الدروس والعبر كأننا في يومنا الأول من دهشة السابع من أكتوبر٬ ذلك اليوم المشهود الذي لم تطلع شمس على فلسطين أعظم منه٬ وهو كذلك حتى يأتينا طوفان جديد أكبر وأعظم.

 

حاز شباب غزة الذين يقاتلون بأقدامهم العارية وأجوافهم العطشى وبطونهم الخاوية مكانة لم يسبقهم إليها أحد٬ من المهابة التي ترعب العدو وتقرّ بها أعين المؤمنين. فمن جباليا والشجاعية إلى خانيونس ورفح٬ تجسدت الشجاعة واليقين بالله والتوكل عليه وحسن الظن بنصره ووعده الحق٬ فترى رجال المقاومة يخوضون الملاحم كأنها لم تكن لأحد مثلهم٬ ويستبسلون سراعاً في مقارعة العدو وهم ينشدون: “نحن بنو الموت إذا الموتُ نَزل٬ لا عارَ بالموت إذا حُمَّ الأجل٬ الموت أحلى عندنا من العسل”.

 

يفجر أحدهم دبابة الميركافا التي صُنعت لتكون وحشاً يَهاب أي كائن التفكير بالاقتراب منها٬ وهو يتضرع إلى الله بالبكاء أن يهلك عدوه وعدونا٬ وأن يثأر لدماء النساء والأطفال٬ ثم يُكبّر ويسأل الله القبول بعدما قهرت يده المباركة ويده الله فوقها٬ الفولاذ الذي صُنع كي (لا يقهر)٬ وأحالته إلى كرة من نار٬ يسمع الجنود الممزّقون حسيسها وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة.

 

اختار هؤلاء الرجال طريقاً يعرفونه جيداً٬ يمشون عليه سوياً كأنه الصراط المستقيم٬ لا يزحزحهم عنه شيء إلا الله٬ فلا ضرّهم المنافقون ولا الخاذلون الذين ركنوا إلى الحياة الدنيا وأغلقوا الأبواب على أنفسهم وتقوقعوا داخل دائرة الراحة والأمان٬ ظناً منهم أنها سبيل النجاة من الطوفان٬ فيما ركب أصحابنا وأهل الله في “سفينة الطوفان” مبكراً للنجاة من المهالك٬ فلا نجاة بعد اليوم إلا بالتشبّث بحبل الله و”الطوفان”٬ وقطع “حبل الناس” عن هذا الكيان.

 

ولا يكاد يمر يوم حتى نرى آيات الله تتجلى في “الطوفان” جهاداً واستشهاداً٬ ثباتاً حديدياً في مواجهة العدو٬ وكذلك في مواجهة الموت والابتلاء٬ وهذا مما علمنا ورأينا فقط ورآه العالم أجمع٬ فكيف بما لم نرَ ولم نعلم به بعد.

 

لكن تلك الآيات والمعجزات التي يصنعها عباد الله أولي البأس الشديد٬ لا يراها من عُمي على قلوبهم وعقولهم٬ من الذين ضُربت عليهم الذّلة والجُبن أمام هذا الاحتلال الزائل٬ فإذا ذُكرت غزة وأهلها ومقاومتها الباسلة وبطولاتها٬ ترى أعينهم تدور كالذي يُغشى عليه من الموت.

 

يظن الذين غلّقوا على أنفسهم الأبواب منذ 10 أشهر ورفضوا أن يكون لهم سهمٌ في هذه المعركة ولو بشق كلمة٬ أنهم ناجون من الهلاك٬ وقد قالوا (ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة)٬ وما علموا أن التهلكة في ترك الجهاد بكل أشكاله وأنواعه٬ في ترك غزة وحدها بلا ناصر أو معين٬ في الصمت عن قول كلمة الحق٬ في الركون إلى الأمان الزائف الذي هندسته لهم حكوماتهم وصندوق النقد الدولي.

 

أتعجب ممن يهرب من وجوه الأطفال الدامية كل ليلة ويظن أن لا دور يأتيه٬ وأنه في مأمن من كل هذه الأهوال٬ أنه في أمان من بطش هذا الاحتلال٬ من طمعه في بلادنا وخيراتها من نيلها إلى فراتها. أتعجب ممن يرى أن القاتل سيعفو عنه إذا ترك سلاحه ودرعه٬ ويترك صدره أعزلاً وظهره مكشوفاً. أتعجب ممن رهن مقدرات بلاده لعدو لا يلقي له بالاً٬ ولا يراه سوى خادم مطيع٬ ينفذ ما يطلب منه دون اعتراض. أتعجب ممن لم تحركه الدماء والأشلاء٬ ولم يُخزّن الثأر في صدره بعد.

 

خاب وخسر من يلحق بسفينة نوح عليه السلام٬ ومن بقي خلفه لم يدركه إلا الهلاك بعدما ظن أنه معصوم٬ وكذلك سفينة “الطوفان”.. (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم)٬ فمن ركبها فاز وانتصر٬ فلا نجاة من هذا العجز القاتل والانكسار٬ والذّلة في الدنيا والآخرة٬ إلا بالانتصار لغزة ودماء أطفالها ونسائها وشيوخها ورجالها٬ إلا بدعم مقاومتها وصمود أهلها الكرام٬ ولا يكون ذلك إلا ببذل كل واحد منا أقصى ما في طاقته ووسعه٬ بكل ما يملك من أدوات وفرص في جميع الميادين وحتى آخر نفس٬ حتى إذا وقف بين يدي الله قال: يارب٬ لقد حاولت أن أفعل شيئاً..



شارك