سياسة

إن لم تكن ذات الرؤية..فلا تكن رؤية الذات

يوليو 8, 2024

إن لم تكن ذات الرؤية..فلا تكن رؤية الذات

إن العمل في مشروع جامع يستلزم دائما أن يتنازل كل شخص عن جزء من إرادته لصالح المجموع، لأنه في المقابل يأخذ من كل منهم مثل ما يترك فيكون له أضعاف ما ترك والأهم أن يحدث الوفاق حول الهدف.. فيكون التوفيق.

 

فبداهة لا يمكن أبداً أن يكون هناك تطابق في الأفكار بين الناس، فإن كان هذا صعب الحدوث بين شخصين وإن عاشا في بيت واحد، فهو حتماً مستحيل الحدوث في التجمعات الكبرى، وكلما زاد عدد المشاركين في أي تجمع بات الأمر أكثر تمنعاً فلكل رأيه ووجهة نظره الخاصة التي تمثله ولا يقبل فيها نقدًا أو مراجعة.

 

إن الاجتماع حول هدف واحد رغم اختلاف الدوافع الخاصة بكل شخص لا يستلزم إجماعاً على آلية الوصول إلي هذا الهدف، فتطابق الرؤي هو منتج غير معروف بالنسبة للعقل البشري، وهذا الأمر ليس سيئاً ولا مستنكراً، فحتي علي المستوي الفردي نجد أنفسنا في أحايين كثيرة بحاجة إلي تغيير استراتيجياتنا في التعامل مع موقف ما أو مواقف متعددة للوصول إلى ذات الهدف .

 

ما إن تهم بالبدء في عمل أو حتى نقاش حول شأن وطني أو خدمة مجتمعية أو إعلاء قيمة إنسانية حتى ُيقبل الجميع حالمين بنفس الهدف متحصنين بذات الإخلاص، ويبدو للجميع أن هذا الإجماع هو السبيل من أجل إنجاز المأمول؛ إلا أنه وعند البدء في التنفيذ تظهر الاختلافات. اختلافات مدعومة بفوارق في القدرات الفردية والخلفيات العلمية و العملية لكل شخص، وهو شيء محمود لو وُجدت آلية لضبط هذا الاختلاف و رشد في العقل الجمعي، لأن حينها ستكون نتيجة هذا العصف الذهني وقرع تلك الأفكار استخلاص رؤية أعم وأشمل واستحداث آلية أكثر سلاسة وقابلية للتحقق، ولكن آفة مجتمعنا دائما هي التعصب للرأي أكثر من الهدف وحب الانتصار للنفس على حساب النتيجة.

 

إن أكثر ما يحزن ويجلب خيبة الأمل أن تبدأ نقاشا أو تخوض تجربة مع آخرين تنتظر منها نتائج كبيرة ويبدو من بدايتها وحماس أصحابها وصدق النوايا أن نجاحا كبيرا ينتظر كل المشاركين فيها، وما تلبث أن تتحول النقاشات إلى مبارزات فكريه وجلسات تنظير يتبارى الحضور فيها إلى إثبات بعد نظرهم وعمق رؤيتهم.

 

الكثير من الأمور تشكل عائقا أمام العمل الجماعي في مصر ولست أعد الخلاف الأيديولوجي جزء من ذلك، لأنه ومع وحدة الهدف يمكن عبور هذا الاختلاف بل وجعله مثمرا ومفيدا، فدمج كل تلك القدرات في بوتقة الإخلاص سيخرج لنا منتجا لا يمكن تجاوزه ولا يستهان أبدا بقدراته وتأثيره.

 

إن كل من يعرض نفسه للعمل العام ويقتطع من وقته وجهده وحياته لإعلاء قيم العدل والعلم والعمل والكرامة والحرية لوطنه ولرفاقه لا يجب أن يزايد عليه أحد، ولا أن ينحيه أحد، حتى وإن كان على غير الدرب. فالأولى أن نكون سندا وعونا لبعضنا البعض، بل وأن يعلق الجميع نظرهم صوب بوصلة الهدف الذي نسعى إليه.

 

لننبذ الخلاف، وندع الاختلاف وتبادل الاتهامات والدعوى بالمزايدة أو الانتقاص، ولنعمل كفريق واحد للوصول إلى الهدف المرجو “وطن للجميع”.

 

لا يجب أبدا  حال الاختلاف أن يرى كل شخص ذاته وينسى الهدف الذي من أجله بدأ الجميع العمل؛ ولا ضير أبدا في أن يتراجع الإنسان عن رؤية أو يعود من سبيل ولكن لا يمكن له أبدا، ولا يجب، أن يتراجع عن الهدف والحلم، ولا أن يترك دربا يقطعه ورفاقه حاملين هم الوطن مثقلين بأعبائه متسلحين بالإيمان بقدرة شعب عظيم.

 

إن التوحد خلف الهدف والاصطفاف من أجل تحقيقه هو السبيل الوحيد. مع إيماننا بحتمية الاختلاف. ولنا في التاريخ، القريب والبعيد،  العبرة والمثل.

شارك