أدب

يومُ حِليمَة: أحد أيام العرب التي خلدها الشعر

يوليو 7, 2024

يومُ حِليمَة: أحد أيام العرب التي خلدها الشعر

الغساسنة ملوك الشام، والمناذرة ملوك العراق، مع أنهم جميعا قحطانيون من قبيلة واحدة، لكن كانوا أعداء، فالغساسنة كانوا في حِلف قوي مع الروم البيزنطيين، فكانوا محسوبين على الروم، وأما المناذرة فكانوا تبَعًا للفرس الساسانيين، كانوا تحت حكم كسرى (هو الذي يعيّن ملوكهم)، وبسبب العداوة بين الروم الفرس، تولّدت العداوة أيضا بين الغساسنة أحلاف الروم، والمناذرة أحلاف الفرس. فكانت بين الغساسنة والمناذرة وأيام ومواقع خُلِّدت في تاريخ العرب. ومن أشهر تلك الأيام يومُ حليمة الذي نخصص له هذا المقال.

 

ذلك أن الغساسنةَ (يقودهم ملكهم الحارث الأكبر بن جبلة)، هزموا المناذرة (بقيادة ملكهم المنذر بن ماء السماء) في يوم عين أُباغ، فوقعت حرب بين الفريقين في هذا الموضع (عين أباغ)، وهو واد وراء الأنبار على الطريق إلى الشام. فهُزم المناذرة يومئذ هزيمة قاسية وقُتل ملكهم المنذر بن ماء السماء.

 

لما عاد المناذرة إلى الحيرة، تولى ملكَهم المنذرُ بنُ المنذرِ بنِ ماء السماء (ابن ملك الحيرة الذي قتل يوم عين أباغ). عزم المنذر هذا على الثأر لأبيه، وسار بالمناذرة ومن دخل تحت سلطانهم من العرب، لقتال الغساسنة، وكتب إلى الحارث ملك الغساسنة: “إني قد أعددت لك الكهول على الفحول” (يقول أتيتك بالرجال وقد ركبوا فحول الإبل والخيل)، فكتب إليه الحارث: “إني قد أعددت لك المُرد على الجرد”. يقول أعددت لك الفِتيان أحداث السن (المُرد) على الخيل السابقة (الجُرْد).

 

سار المناذرة إلى الغساسنة، وخرج لهم الغساسنة والتقى الجمعان في مَرْج حليمة. وقامت بينهما الحرب واستمرت أياما دون أن يحسمها أحد الطرفين. الحارث بن جبلة (ملك الغساسنة)، لما رأى استمرار الحرب دعا ابنته حليمة (ولهذا السبب سُمّيت هذه الوقعة يومَ حليمة)، فأعطاها طيبا وأمرها أن تطيب به من وجدت من الجند، وكانت حليمة فائقة الجمال، فجعل الجند يمرون عليها وتطيبهم، وشكل ذلك تحفيزا كبيرا لجيش الغساسنة.

 

ثم قال الحارث محرضا جيشه: “يا فتيان من قتل ملك الحيرة زوجته ابنتي”، فقام لبيد بن عمر الغساني واندفع في القتال حتى انتهى إلى المنذر ملك الحيرة، فشد عليه بضربة حتى ألقاه عن فرسه، فانهزم أصحاب المنذر وفروا، ونزل لبيد عن فرسه وقطع رأس المنذر وحمله إلى الحارث ملك الغساسنة، فقال له الحارث: “شأنَك بابنة عمك فقد زوجتكها”. لكن لبيداً تحمّس وعاد للقتال، فوجد المناذرةَ قد عاد بعضهم من فراره فظل يقاتل إلى أن قُتل. لكن ذلك لم يغير من مسار المعركة، حيث انهزم المناذرة مرة أخرى وفروا وأسَرَ الغساسنة كثيرا من العرب الذين قاتلوا مع المناذرة.

 

صار الشعراء بعد ذلك يمدحون الغساسنة مؤرخين لهذا اليوم (يوم حليمة) الذي هزم فيه أهلُ الشام أهلَ العراق، ومن ذلك قول النابغة الذبياني في مدح الغساسنة:

 

ولا عيبَ فيهم غيرَ أن سيوفهم – بِهنّ فُلُول من قِراعِ الكتائبِ

تُوُرِّثن من أزمان يومِ حليمة – إلى اليومِ قدْ جُرّبنَ كل التجارِب

 

يقول في البيت الأول: ليس في الغساسنة ما يعاب سوى تثَلُّمِ سيوفهم من كثرة الحروب التي يخوضونها، فهو تأكيد للمدح بما يشبه الذم، كأن تقول مثلا: ليس في فلان من عيب سوى أنه يأمر بالمعروف، فهذا أسلوب بلاغي معروف.

 

أما البيت الثاني:

 

تُوُرِّثن من أزمان يوم حليمة – إلى اليوم قدْ جُرّبن كل التجارِب

 

يقول إن سيوفهم متوارثة كابرا عن كابر، منذ يوم حليمة الذي هزم فيه غساسنة الشام مناذرة العراق، إلى اليوم.

 

عشتم طويلا.

شارك