Blog

 ما بعد تدمر.. اختبار الشراكة الدولية

ديسمبر 25, 2025

 ما بعد تدمر.. اختبار الشراكة الدولية

 

لم يكن انضمام سوريا الجديدة إلى التحالف الدولي ضدّ تنظيم الدولة مجرّد حدثٍ أمني عابر، وإنّما تحول سياسي كثيف الدلالات، فليس مدار المعركة هنا خلايا تنظيم الدولة الإسلامية، بل بات موقع دمشق في النظام الدولي، وحدود سيادتها، وطبيعة توازناتها مع القوى الكبرى في مرحلة ما بعد الأسد على المحك.

التحالف… من أداة عسكرية إلى إطار سياسي.

تأسس التحالف عام 2014 بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وضمّ أكثر من 80 دولة، عربية وغربية، من بينها فرنسا والمملكة العربية السعودية وتركيا. واعتمد التحالف مقاربة متعددة الأدوات تتراوح بين ضرباتٍ عسكرية، والعمل على تجفيف مصادر التمويل، والتصدي للدعاية، ومنع تدفق المقاتلين.

 ورغم إسقاط “تنظيم الدولة” ميدانياً في العراق عام 2017 وسوريا عام 2019، بقي التنظيم حاضراً بصيغة الشبكات والخلايا، ما أبقى التحالف قائماً، لكن بوظيفةٍ أقل وضوحاً وأكثر إشكالاً.

بالنسبة لسوريا الجديدة، لم تكن زيارة الرئيس السوري إلى واشنطن وتوقيع وثيقة الانضمام مجرّد صورةٍ بروتوكولية، بل إعلان عودة سوريا كدولةٍ مُعتَرف بها وبسيادتها، لا كساحة صراع مفتوحة.
هذا التطور نقلَ ملفّ مكافحة الإرهاب من الفواعل المحلية، وعلى رأسها قوات سوريا الديمقراطية، إلى الدولة المركزية، ومنح دمشق اعترافاً ضمنياً بشرعيتها وقدرتها على ضبط إيقاع الأحداث على أرضها، لكن في الوقت ذاته فرض هذا المسار توازناً دقيقاً، على دمشق التي لا تستطيع كسب واشنطن مع خسارة روسيا، ولا إدارة التحالف دون مراعاة حساسيات أنقرة أو حسابات الإقليم.

في المقابل، رأت واشنطن في الخطوة فرصة لإعادة هندسة وجودها، عبر شراكة مباشرة مع جيش دولة بدلاً من إدارة حرب بالوكالة، بهدف تثبيت مكاسبها ضدّ تنظيم الدولة دون التزاماتٍ طويلة الأمد، كما يهدف التحالف لتشكيل واقع سياسي يبرر انسحاباً عسكرياً أمريكياً منظماً، بالإضافة لتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا دون الاضطرار لصدامٍ مباشر.

دمشق ما بين الفرص والمعضلات.

قدَّم الانضمام لدمشق مكاسبَ ملموسة، من اعترافٍ دولي يعزز وحدة الأراضي السورية، ومساهمة كبيرة في رفعٍ للعقوبات إلى جانب مكاسب أخرى متوقعة كتطوير القدرات الاستخباراتية والعسكرية، وإعادة رسم التوازنات المحلية، بما فيها تراجع دور “قسد”.

لكن التحالف ليس عصا سحرية، فملف معتقلي تنظيم الدولة وعائلاتهم، خصوصاً في مخيم الهول، يظلّ قنبلة موقوتة؛ إذ أثبتت التجربة أنّ تجاهل البعد الإنساني والقانوني يعيد إنتاج التطرف بدلاً من القضاء عليه. 

من ناحيةٍ أخرى وضع التحوّلُ الجديد السلطةَ أمام اختبار صعب، فلطالما كانت الصورة التقليدية الراسخة للولايات المتحدة على أنّها “عدوّ تاريخي” في أدبيات بعض الجماعات والمجتمعات، ما يشكّل أجواءً مشحونة بالاحتقان والنقمة، تسهِّل على التنظيمات المتطرفة تجنيد أفراد جدد، ورثوا عداوة الولايات المتحدة، ولم يستوعبوا متطلبات المرحلة الراهنة، فوقعوا ضحية دعاية هذه التنظيمات.

هجوم تدمر: إنذار مبكر للنيران الصديقة.

يُعدّ هجوم تدمر 13 كانون الأول/ ديسمبر لحظة كاشفة لا يمكن التعامل معها كحادثٍ أمني معزول، فاستهداف دورية أمريكية سورية مشتركة، وما ترتّب عليه من مقتل جنود أمريكيين، بعد أسابيع قليلة من انضمام دمشق رسمياً إلى التحالف الدولي، يكشف صعوبة الانتقال من منطق العداء إلى منطق الشراكة.

والأخطر في الحادث ليس لأنّه أول هجوم مميت ضد القوات الأمريكية منذ سقوط النظام السابق فحسب، بل في دلالته البنيوية من اختراق داخل الأجهزة نفسها، بما يعني أنّ التحدي لم يعد محصوراً في خلايا تنظيم الدولة الإسلامية، بل يمتد إلى تماسك المؤسسة الأمنية وقدرتها على ضبط خطابها وسلوكها.

هذا التطور يضرّ بصورة الاستقرار التي تسعى دمشق لتثبيتها، ويجعلها أقل جاذبية للشركاء الدوليين، كما يفتح الباب داخل الولايات المتحدة الأمريكية لنقاشاتٍ جدية حول تقليص الوجود العسكري، وتحويل الأولوية من مطاردة التنظيم إلى حماية القوات، وربما إعادة ترجيح خيار العمل عبر قوات سوريا الديمقراطية. بتعبيرٍ أدق، تدمر لم تكن مجرّد ضربة أمنية، بل اختباراً مبكراً لمدى قدرة الدولة الجديدة على ضبط الداخل قبل طمأنة الخارج.

وهكذا فمن الواضح أنّ انضمام سوريا الجديدة إلى التحالف الدولي لن يكون مكسباً خالصاً ولا مخاطرة مطلقة؛ بل مفترق طرق يقود دمشق إلى استعادة السيادة وبناء توازنات مرنة تحمي القرار الوطني، أو ينزلق ليصبح وسيلة ضغط تُقيِّد التحرّر وتعيد إنتاج الارتهان بصيغةٍ جديدة.

لا يكمن التحدي الحقيقي في محاربة الإرهاب فقط، وإنّما في منع تحوّل الشراكة الدولية إلى وصاية، وتحويل الاعتراف السياسي إلى استقرارٍ مستدام..

 

 

شارك

مقالات ذات صلة