مدونات

من يحمي الطفل دون أمه؟

ديسمبر 22, 2025

من يحمي الطفل دون أمه؟

أسماء البري

في كلّ مرّةٍ يُطرح فيها موضوع وصاية الأطفال في سوريا، تعود الأسئلة ذاتها إلى الواجهة وتتمحور في من يملك الحق؟ ومن يقرّر؟ ومن يدفع الثمن؟

ومؤخراً، أثار توجه وزارة العدل السورية نحو تقييد أو منع حق وصاية الأطفال عن الأم في ظلمٍ وقلقٍ وحرمان حق الأمّ بالوصاية على أطفالها، ليس فقط لدى النساء، بل لدى كلّ من يرى في العدالة قيمة حيّة لا نصاً جامداً. فالمسألة هنا لا تتعلّق بإجراء قانوني فحسب، بل بمصير آلاف الأطفال، وبمكانة الأم في منظومة يُفترض أنّها تحمي الأسرة لا تُضعفها.

الوصاية ليست سلطة بل مسؤولية.

الوصاية على الطفل ليست امتيازاً يُمنح لطرف لأنّه “أب” أو يُسحب من طرف لأنّها “أم”. الوصاية، في جوهرها، هي مسؤولية يومية، قرار طبي، تسجيل مدرسي، متابعة نفسية، حماية قانونية. وهي مسؤولية تتحملها في الواقع السوري الحالي الأمهات في الغالب.

في بلدٍ أنهكته الحرب، وغاب فيه عدد كبير من الآباء بين وفاةٍ واعتقال وهجرة وفقدان، أصبحت الأم هي العمود الفقري للأسرة. ومع ذلك، يُراد لها اليوم أن تبقى حاضرة في التعب، وغائبة في القرار.

أيّ منطقٍ يقبل أن تكون الأم مسؤولة عن الإطعام والتربية والحماية، لكنّها غير مؤهلة قانونياً لتوقيع ورقة تخص طفلها؟

قانون يتجاهل الواقع. 

ما يثير القلق في هذا التوجّه ليس فقط نتيجته، بل الذهنية التي تقف خلفه. ذهنية تتعامل مع الأسرة السورية، وكأنّها ما زالت تعيش في نموذج مثالي قديم، أب حاضر، أم متابعة، وأدوار ثابتة لا تتغير. بينما الواقع يقول العكس تماماً.

القانون الذي لا يرى الواقع يتحوّل إلى أداة ظلم، حتى لو استند إلى نصوص قديمة. فالتشريع إن لم يُراجع ويُحدّث، يصبح عبئاً على المجتمع بدل أن يكون حامياً له.

أين مصلحة الطفل؟

السؤال الغائب الأكبر في هذا النقاش هو أين مصلحة الطفل؟ هل مصلحة الطفل أن تُعقّد حياته القانونية؟ أن تُمنع أمه من مراجعة دائرة رسمية؟ أن يُستخدم كحلقة ضغط بين أطراف قانونية واجتماعية؟

الطفل لا يفهم مصطلحات “ولي” و”وصي” لكنّه يفهم من يرافقه إلى الطبيب، ومن يهدئ خوفه، ومن يسهر قربه حين يمرض. تجاهل هذا البعد الإنساني هو أخطر ما في أيّ قرارٍ من هذا النوع.. وتبقى مسألة الواقع أنّها وضعت الأمومة في خطر!

الإصلاح لا يعني كسر القيم ولكنّه واجب. 

الدعوة إلى منح الأم حق الوصاية أو إشراكها فيها لا تعني محاربة الدين أو القيم الاجتماعية، كما يحلو للبعض تصوير الأمر. بل تعني قراءة هذه القيم بروحها، لا بحرفيتها الجامدة. كثير من الفقهاء ربطوا الولاية والوصاية بالمصلحة والكفاءة، لا بالجنس. وكثير من الدول ذات الخلفية الدينية أعادت النظر في قوانينها بما يحفظ كرامة الأم ويحمي الطفل.

فلماذا يبقى الطفل السوري خارج هذا النقاش؟ حرمان الأم من وصاية أطفالها ليس قضية نسوية أو كلاماً نسوياً بل قضية عدالة اجتماعية، واستقرار أسري، ومستقبل جيل كامل.

فالدولة التي تهمّش الأم، تضعف الأسرة، والقانون الذي يقصي من يرعى، يفقد شرعيته الأخلاقية.

إذا كانت العدالة غاية، فلتكن مصلحة الطفل هي المعيار، والأم شريكة لا متهمة، وصوتاً يُسمع لا ظلاً يُتجاهل.

 

شارك

مقالات ذات صلة