تأملات

هذِّبْ يَدَكْ

نوفمبر 25, 2025

هذِّبْ يَدَكْ

تخيّل أنّك تجلس بجانب خيّاط، وأعطاك أحدهم قطعة قماش وخيط وإبرة وأنت لم تخيّط مسبقاً في حياتك، وقيل لك فصّلْ هذه القطعة بطريقةٍ معيّنة، فبدأتَ تفصّل، تطوي القماش وتُدخل الإبرة في ثنياتها، تخطئ فتفكّها ثم تعيد الكرّة، تنخرق القطعة بأكثر من وخزة، وقد يتلف الخيط وقطعة القماش.

 نعم كان يجب أن تهذّب يدك، وتقول لها هذا ليس عملك، أنتِ لستِ خيّاطاً، فتختار أن تسلّم قطعة القماش للخيّاط، لأنّه سيعرف تماماً كيف يتعامل معها ويحافظ عليها ويفصّلها بالطريقة الأمثل ..

وهكذا يد اللّه عزّ وجلّ وله المثل الأعلى، يُفصّلُ اللّه عزّ وجلّ لك ثوب الحياة بما يناسبك، لكنّك تستعجل دائماً وتجعل يدك تُزاحم تدبيره، لماذا تفعل هذا وهذا ليس تخصصك!

اترك يد الله تُفصّلُ لك ثوبك الذي يناسبك، وكلّما كان ثوبك رائعاً وأكثر قيمة فإنّه يحتاج إلى وقتٍ أكبر وعناية أعظم، وكلّما كان عاديّا كلّما حصلت عليه بسرعة كبيرة وجودة أقل، فاترك اللّه يفصّل ثوبك العظيم بميقاته العظيم الدقيق الذي يناسب عظمة عنايته بك ..

فأرِحْ يدك، قل لها: (أيّتها الطائشة اهدئي ولا تلوّحي كثيرا في الهواء ولا تطرقي على الأشياء مستعجلة، ولا تحاولي مزاحمة يدِ ربنا العظيم وهو يدبر بحكمته العظيمة، مهما بلغتِ من الإتقان، ستظلين مسكينة، وتجهلين بواطن حقائق الأشياء، فتنازلي، وكوني تحت يد اللّه عزّ وجلّ، فحينما تكونين تحت يد اللّه فأنتِ محمية، وتبدين أكثر إشعاعاً، وحينما تتذوقين جمال (يد الله فوق أيديهم ) تفهمين معنى هذه الإحاطة من الأعلى إلى الأدنى، ومن الأحكم إلى الأجهل، إنّ يد اللّه حامية وواقية، لا يغرّنّك طيشك فتظنّين أنّكِ تستطيعينَ إدراكَ رسمِ التفاصيل)

أريحي نفسكِ يا يدي، أقول لنفسي هذا كثيراً، حينما أتعب من رسم التفاصيل، أضحك وأقول لها ألم تملّي من الرسم والمسح، في كلّ طريق تظنين أنّك أدركت مساراته تكتشفين أنّه مليء بحوادث ومسارات لم تكوني تعلمينها، يا يدي الحبيبة ألّا يسرّكِ أن ترتاحي، وترسم يد اللّه الطريق عنكِ

ينقذني هذا الحوار، أنقذني كثيراً تحت الصواريخ في الحرب، وينقذني أيضاً الآن من ذاكرة الحرب الفادحة، تنقذني يد اللّه عزّ وجلّ، كما دائماً وأبداً، وكما أنقذت سيدنا يوسف بينما ألقته كلّ تلك الأيادي الشقيقة في الجبّ، وحدها يد الله كانت الأقرب والأحنّ، تلقّفته، ثمّ وضعته في دلو قافلة عابرة، لتجْلِسَهُ على عرش مصر ويصير عزيزها، فالحمد لله رب العالمين.

وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

شارك

مقالات ذات صلة