سياسة

ليست “ويست ميدلانز” من تنتخب.. إنها غزة!

يوليو 2, 2024

ليست “ويست ميدلانز” من تنتخب.. إنها غزة!

صوتك لغالاوي هو صوت لغزة

 

في منطقتي التي تبعُد عن وسط لندن ما يقرب من ٧ أميال فقط، تمتلئ المحلات والمقاهي بصور مرشح أبيض البشرة تمتد يده لتصافح “جورج غالاوي”.. وبعنوان كبير باللون الأحمر كُتب عليها “صوتك لي هو صوت من أجل غزة”. هذا ليس المرشح “الأبيض” الوحيد الذي يعتمد على غزة بشكل كلي في برنامجه الانتخابي، فمرشحون كُثر يعتمدون كليًا في هذه الانتخابات على موقفهم من إسرائيل.

 

في بادئ الأمر قد تعتقد أن هذه الفقرة هي عن مرشحين في انتخابات إحدى الدول العربية، لكن المفاجأة أن الحديث هنا عن الانتخابات العامة البريطانية والتي ستجري الخميس غدًا الرابع من شهر يوليو، والتي ستفرز رئيس حكومة أهم عاصمة للقرار السياسي في أوروبا.

 

الملصق المذكور أعلاه هو لمرشح من حزب “الشغيلة” الذي يقوده جورج غالاوي، السياسي البريطاني المرموق الذي فاز في الانتخابات الفرعية مارس الماضي عن دائرة روتشديل، واعتمد هو الآخر على غزة “فقط” كبرنامج انتخابي. غالاوي كان يطوف شوارع روتشديل وهو يقول في مكبرات الصوت: “صوتك لغالاوي هو صوت لغزة”، واصفًا الانتخابات بأنها استفتاء على غزة، وقد كان!

 

انتصر غالاوي انتصارًا كبيرًا، رغم أن حزب العمال -منافسه الرئيسي حينها- كان يحظى بأغلبية ١٠ آلاف صوت. لكن “غزة” قررت أن غالاوي هو من يستحق تمثيل روتشديل (ذات الثقل المسلم)، وليس مرشح حزب العمال (المسلم!)، الذي دفع ثمن دعم حزبه لإسرائيل.

 

روتشديل التي أوصلت غالاوي للبرلمان مارس الماضي، ليست الدائرة الوحيدة التي يمتلك فيها المسلمون والعرب نسبة حاسمة أو شبه حاسمة. هناك ٥٨ منطقة في بريطانيا يشكل فيها المسلمون خُمس السكان، وهي نسبة وازنة. مع الوضع في الاعتبار تعدد المرشحين وتشتت أصوات الناخبين. وطبقًا لمركز هنري جاكسون، فإن المسلمين يشكلون أكبر أقلية دينية في ١٢٩ دائرة بريطانية متأرجحة من أصل ٢٢٠، بنسبة تقترب من ٦٠٪!

 

هذه ليست غرب “ميدلانز”، لكنه “الشرق الأوسط”!

 

في الانتخابات المحلية البريطانية الشهر الماضي، وعلى إثر تراجع نسب حزب العمال في مناطق المسلمين، الذي اعتاد على اكتساح المناطق التي يتواجد فيها المسلمون بكثرة، صرح أحد قيادات الحزب لبي بي سي رابطًا النتائج بموقف الحزب تجاه غزة: “هذه ليست غرب ميدلانز التي تنتخب، ولكن الشرق الأوسط”، وأَضاف غاضبًا: “حماس هم الأشرار”!

 

بطبيعة الحال، حماس لا علاقة لهم بالأمر، ولكن حزب العمال لم يصدق خسارة أصواته التقليدية نتيجة موقفه من قضية “سياسة خارجية!”. دوائر كثيرة ومرشحون كُثر ضمنوا الفوز بمقاعدهم في الانتخابات المحلية نتيجة مواقفهم في مظاهرات دعم غزة، للدرجة التي تنافس فيها مرشحون في دوائر بعينها للاستعراض، “أيهم دعم غزة أكثر؟” ليستفيد من أصوات المسلمين الحاسمة.

 

ولكن.. كيف وصلنا لهذه النقطة؟ منذ بداية الحرب على غزة، احتشد مئات الآلاف من المتظاهرين بشكل دوري، وعلى مدى شهور، في ميادين لندن والمدن البريطانية الكبرى، تضامنًا مع غزة، ورفضًا لسياسات حكومتهم الداعمة لإسرائيل. المظاهرات الشعبية حافظت على زخمها طيلة ٩ أشهر، وأخذت أشكالًا مختلفة. اعتصامات في حرم أكثر من ٣٠ جامعة بريطانية منها أوكسفورد وكامبريدج، هجمات شعبية “سلمية” واقتحامات لمصانع أسلحة وشركات وبنوك داعمة لإسرائيل، حملات مقاطعة، فعاليات للتوعية، وغيرها. للدرجة التي دفعت ٧٠٪ من البريطانيين للمطالبة بوقف إطلاق نار شامل في غزة، طبقًا لاستطلاع رأي شركة “يو جوف”، شركة استطلاعات الرأي الأكبر في البلاد.

 

أيُ الحزبين الكبيرين سينال رضا الناخب الرافض للحرب؟

 

حزب المحافظين الحاكم منذ ١٤ عامًا (يمين وسط)، وقف مع إسرائيل في حربها على غزة بشتى الطرق، وسار على نهج الولايات المتحدة، خطوة بخطوة وبيانًا ببيان. تباهى بذلك وتعمد الوضوح في دعمها. وحزب العمال لم يختلف كثيرًا. الحزب الذي كان يقوده جيرمي كوربن حتي ٢٠١٩، وكانت له مواقف إيجابية لا تُعد تجاه غزة وفلسطين، قرر أن يميل لليمين بعد هزيمته التاريخية في انتخابات ٢٠١٩، وطرد كوربن ومناصريه خارجاً، وتبنى مواقف دفعت كوربن للقول في النهاية إن “حزب العمال لم يعد فيه شيء يعبر عن العمال غير اسمه”.

 

الحزبان اتفقا على سياسة موحدة تجاه حرب إسرائيل على غزة، لدرجة أن مناظرة رئيسي الحزبين، ريشي سوناك وكير ستارمر، منذ أسبوعين، شهدت جدلًا حادًا في كل نقطة عدا نقطة واحدة، وهي دعم إسرائيل بكل ما يلزم في حربها على غزة. وما زاد الطين بلة سحب حزب العمال نيته الاعتراف بفلسطين. إضافة إلى مواقف حزب العمال في البرلمان تجاه حرب غزة، وتصريح رئيس الحزب ستارمر في بداية الحرب أنه يؤيد العقاب الجماعي على غزة بحجة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، هذه التحركات جعلت حزب العمال وحزب المحافظين وجهين لعُملة واحدة، عُملة لا يريدها المسلمون وكتلة اليسار المؤيدة لغزة. وعملت حملات مثل “الصوت المسلم” و”الصوت العربي” خلال الفترة الماضية، إلى جانب منظمات وهيئات شعبية، على دعم مرشح في كل دائرة انتخابية، بعيدًا عن الحزبين.

 

ولأول مرة، تخوض أعداد متزايدة من العرب والمسلمين واليساريين، الانتخابات كمرشحين مستقلين تحت راية غزة. وبهدف منع حزب العمال من تحقيق اكتساحه المُتوقع، كتبت حركة “الصوت المسلم” على صدر موقعها الرسمي: “لن نسمح بأن يتعاملوا معنا باستخفاف.. نحن قوة متحدة مكونة من ٤ ملايين ناخب، وسنركز على المقاعد التي يمكن أن يغيِّر فيها صوت المسلمين النتيجة.. نحن باقون هنا على المدى الطويل، وفي الانتخابات الحالية سنضع الأساس لمستقبل المسلمين في البلاد”.

 

شارك