تأملات

“لو” الرّبانيّة!

نوفمبر 17, 2025

“لو” الرّبانيّة!

 
 
لماذا خطرَ على بالي هذا العنوان؟ لأنّني تذكّرتُ الحديث الشريف لسيّدنا محمد ﷺ، والذي يقول فيه “إنْ أصَابكَ شيءٌ فلا تقُل: لو أنِّي فعلتُ كانَ كذَا وكذَا، ولكن قُل: قَدَّر اللهُ، وما شاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ لو تَفتحُ عملَ الشَّيطانِ”، فبما أنّ كل شيء في هذا العالم له مقابل وضد، النور ضده الظلام، الحقّ ضده الباطل، السكون ضده الحركة، البصر ضده العمى، فبناءً على فإنّ (لو الشيطانيّة) ضدها (لو الربّانيّة)، لكن علينا أن نغيّر طريقة تفكيرنا لنتتبعها ونتعرّف عليها، وذلك بأنْ نفترض عدم حدوث أشياء معيّنة في حياتنا والتي هي في ظاهرها سيئة، ويستطيع كلّ شخصٍ منّا أن يستعيد بذاكرته الأشياء السيئة التي حدثت في حياته ولكنّه فيما بعد، ومع مرور الوقت، اكتشف أنّها خير عظيم، سأضرب أمثلة من خلال ما حمله إلينا القرآن الكريم والسنّة النبويّة.
 
– في قصة سيدتنا مريم عليها السلام، ماذا لو لم ينعتها مَنْ حولها بالفاحشة؟
ما كان لينطق سيدنا عيسى في مهده، ولم تكن لتكون هذه المعجزة الخالدة والتبرئة العظيمة، وما جاء إلينا هذا النبيّ العظيم والذي سيحقّ به الحقّ في آخر الزمان.
– ماذا لو لم يبتلع الحوت سيّدنا يونس عليه السلام؟
ما عرفنا هذا الذكر العظيم، وما أعطانا الله مفتاحاً من مفاتيح النجاة في الكربات، وهو (لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين)، وما تعرفنا على قيمة ثمرة طيّبة اسمها (اليقطين)، والتي هي علامة على أنّ الله عزّ وجلّ حين ينجّيك من الكرب، لا ينجّيك فقط، بل يتولّى شفاءك، وإبراءك من ألمك الذي يستشري فيك.
– ماذا لو لم تلقِ أم موسى عليها السلام ابنها موسى عليه السلام في اليمّ؟
لقُتِلَ سيّدنا موسى عليه السلام، ولكنّ الله أراد بعلمه العظيم أن يجعل رزقه على يد مَنْ كان يريد قتله.
– ماذا لو لم يُلْقَ سيدنا يوسف في البئر، ولم يتآمرْ عليه إخوته؟
لم يعش في قصر العزيز، ولم يصبح عزيز مصر، ولم يكن له كلّ هذا التمكين الكبير في الأرض، ولم تكن هذه القصة تثبيتاً لكلّ مهمومٍ بعد آلاف السنين من حدوثها.
– ماذا لو لم يُوضَع إبراهيم في النار؟
لم نعرف عظمةَ اليقين، ذلك الذي تدخل فيه النار فتصبح برداً وسلاماً عليك، اليقين الذي يبلغ به المرء حقيقة أنّ (النافع وحده هو اللّه)، وأنّ (الضار وحده هو اللّه)، فتستوي الأسباب في نظره، ويعظم المسبب.
– ماذا لو لم يوافق سيدنا إسماعيل والده بأن يذبحه؟
ما كنّا لنحتفل حتى يومنا هذا بعيد الأضحى، أحد أعظم شعائر المسلمين على الأرض، وأدركنا أنّك كلّما استسلمت لأمر الله رُحِمَتَ وليس ذلك فقط، بل واحتفل الكون بك وابتهج كأنّك عيده.
– ماذا لو لم يُوْلَد النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم يتيماً؟
ما عرفنا عظمة إيواء الله وعنايته به، طفلٌ يتيم يربيه اللّه ويصنعه على عينه، وما عرفنا حقيقة أنَّ سندك في الدنيا هو اللّه عز وجل أمّا دون ذلك فلا معنى حقيقي كامل له.
– ماذا لو لم يكن ابن سيدنا نوح عاصيًا؟
كنّا تعجبنا إذا رأينا رجلًا صالحاً له ولد فاسد، فبهذا أدركنا مفهوم الأهلية، إذ أخرج اللّه عزّ وجلّ الولد الذي من صلب سيدنا نوح من أهلية سيدنا نوح، يقول اللّه تعالى: “قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ” وعرفنا أنّ الأهلية روحية واتّباع، والصلة قلبية ومنهج، أمّا الدم إذا كان مجرّداً من الصلة، فلا معنى له.
– ماذا لو لم يقتل سيدنا الخضر ذلك الغلام في سورة الكهف؟
كان سيكبر وسيصبح فاسداً، ويرهق أهله ويأتي بمصائب كبيرة، وكلّ ما يخطر في بالك.
– ماذا لو لم يبنِ سيدنا الخضر السور لليتيمين؟
كان سيضيع مالهما، ولن يستطيعا مكابده شقاء الحياة وحدهما، ولكنّ اللّه أراد يبيّن لنا أنّه يتولّى عباده ويعتني بهم.
 
(لو الربّانية) يتلخص معناها في (ماذا لو لم يقدّر الله عز وجل هذا الحدث في حياتك؟)، أتيتُ بالأمثلة السابقة لأنّني حاولت أن أتخيل ألا تسري أقدار الله عزّ وجلّ بالطريقة التي أجراها الله عزّ وجلّ فكيف ستكون حينها النتيجة؟ ستكون سيّدتنا مريم إنسانة بتجربة عادية، ولم تصبح قدوة للنساء حين يُظلَمن ويؤثرن الصمت يقينًا بأنّ اللّه يدافع عنهن، وسيكون سيدنا محمد بلا ابتلاءات فلا يصبر مَنْ بعده  مثله، وبالتالي قد يقل عدد تابعيه، لأنّ الألم إلهام، والصبر نور، والتمكين بعده هبة عظيمة من اللّه عزّوجلّ، لأنّ الأشخاص الملهمين المؤثرين غالباً لهم آلام كبيرة، وتجارب قاسية، ومكابدات كبيرة، وماذا لو عاش سيدنا يوسف مرفهاً في كنف أبيه، كيف كان سيذهب إلى مصر ويصبح عزيزها، لذلك فإنَّ الأحداث التي جرت في حياتك وانقضت كلّها خير يقيناً، وفي كلّ أمرٍ حدث معك كانت هنالك رسالة إلهية خاصّة لك، لكنّ الأهمّ أن تستطيع فتحها وقراءتها وفهمها، لأنَّ هنالك الكثيرين تصلهم الرسائل، لكنّهم لا ينتبهون لوجودها، افتح رسائلَ الله لك، واستمتع بقراءتها وبجمال حكمته في تفاصيل حياتك، واهزم لو الشيطان، بلو الربّانية والتي تتلخّص في (لو لم يحدث أمر الله لحدث أمر الله أيضاً) فلا سبيلَ آخر.
 
 وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
شارك

مقالات ذات صلة