مدونات

حلب بين الإصلاح الإداري ومخاوف التقسيم

نوفمبر 15, 2025

حلب بين الإصلاح الإداري ومخاوف التقسيم

همام فيض الله

 

في خطوةٍ إدارية لافتة، أصدر محافظ مدينة حلب، المهندس عزام الغريب، قراراً يقضي بتقسيم المدينة إلى خمس كتل إدارية، وعيّن لكلّ كتلة مسؤولاً إدارياً يمثل المحافظة، هذا القرار الذي جاء تحت شعار تحسين الخدمات وتقريب المسؤولين من المواطنين، أثار جدلاً واسعاً في الشارع الحلبي، بين متفائلٍ يرى فيه بصيص أمل لإنهاء حالة الترهل الخدمي، ومتشكك يخشى أن يكون مجرّد إجراء شكلي لا يلامس جوهر المشكلات.

 

القرار ومضمونه.

صدر القرار في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، ويقضي بتقسيم مدينة حلب إلى خمس كتل إدارية، مع تعيين مسؤول إداري لكلّ كتلة يشرف على أعمال المؤسسات الحكومية ضمن نطاقها الجغرافي. الهدف المعلن للقرار هو “تسريع الاستجابة للاحتياجات الخدمية للمواطنين وجعل المسؤولين الإداريين صلة وصل مباشرة بين المجتمع المحلي والمحافظة”.

مسؤول الكتلة الإدارية، وفقاً للمحافظة، سيكون حلقة وصل بين الأهالي والمحافظة، مهمته متابعة الشكاوى والملاحظات بسرعة، والإشراف على المشاريع الخدمية كالصرف الصحي والكهرباء والنظافة والبنى التحتية. كما يهدف التقسيم إلى توزيع الموارد بشكل أفضل ومعالجة الاختناقات الإدارية، خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية أو التي تعاني من نقصٍ في الخدمات وقد تمّ نشر أسماء المسؤولين المعينين مع سيرهم الذاتية، في محاولة لإضفاء الشفافية على العملية.

 

التأثير والفوائد المحتملة للتقسيم الإداري.

يُعتقد أنّ هذا التقسيم قد يحمل في طياته عدداً من الفوائد المباشرة للمدينة ومواطنيها،  أبرزها:

1- تحسين كفاءة الخدمات: من خلال تقسيم المدينة إلى وحدات أصغر، يصبح من الأسهل على المسؤول الإداري تحديد المشكلات الخدمية (مثل انقطاع الكهرباء، أو سوء شبكة الصرف الصحي) في نطاقه الجغرافي المحدود، وبالتالي تسريع عملية الاستجابة والمعالجة.

2- تقليص الفجوة بين المواطن والمسؤول: يتيح وجود مسؤول إداري محدد لكلّ كتلة تواصلاً مباشراً مع الأهالي، ممّا يختصر الروتين الإداري الطويل الذي كان يتطلبه الوصول إلى مجلس المحافظة المركزي.

3- توزيع الموارد بشكل أكثر عدالة: يمكن للتقسيم أن يساعد في تحديد الاحتياجات الفعلية لكلّ كتلة، ممّا يضمن توجيه الموارد المتاحة، وإن كانت شحيحة، إلى المناطق الأكثر حاجة، بدلاً من التوزيع المركزي غير الفعال.

 

الأضرار أو المخاوف المحتملة.

رغم الأهداف المعلنة، تبرز مخاوف حقيقية بشأن نجاح هذا التقسيم، لا سيما في ظل غياب اللامركزية الحقيقية:

1- المركزية المقنعة: يرى البعض أنّ القرار لا يعدو كونه إعادة تنظيم إداري ضمن الإطار المركزي الحالي، حيث إنّ المسؤولين المعينين هم ممثلون عن المحافظة وليسوا منتخبين من الأهالي، وصلاحياتهم محددة بقرارات المحافظ، ممّا يعني أنّ القرار النهائي ما يزال بيد السلطة المركزية.

2- غياب المساءلة والرقابة الشعبية: أشار ناشطون حقوقيون إلى أنّ منح المسؤولين صلاحيات دون وجود آلية واضحة للمساءلة أو المشاركة الشعبية قد يعيد إنتاج المركزية التي كانت سبباً في تدهور الخدمات، حيث لا يضمن هذا النظام أن تكون التعيينات قائمة على الكفاءة بقدر ما هي اعتبارات إدارية بحتة.

3- النتائج الشكلية: يخشى الأهالي أن يبقى التقسيم مجرّد إجراء شكلي على الورق، دون أن يترافق مع توفير الموارد المالية والبشرية اللازمة لكلّ كتلة، ممّا يجعل المسؤول الإداري الجديد غير قادر على إحداث فرق ملموس على أرض الواقع.

 

هل هو مقدمة لتحويل الكتل إلى بلديات مستقلة؟

أحد الأسئلة الجوهرية التي طرحها القرار هو ما إذا كان يمثل الحجر الأساس لتقسيم حلب إلى بلديات عديدة ومستقلة على غرار النموذج التركي.

التحليل الإداري يشير إلى أن الإجابة هي لا، على الأقل في الوقت الحالي. يختلف النظام الإداري التركي بشكل جوهري عن هذا القرار، حيث يعتمد النموذج التركي على اللامركزية الإدارية، وتتمتع البلديات فيه باستقلالية إدارية ومالية واسعة، ويتم انتخاب رؤساء مجالسها من قبل المواطنين.

رئيس البلدية في تركيا يتمتع بصلاحيات واسعة في إدارة شؤون المنطقة، بما في ذلك إعداد الميزانيات الخاصة، دون الحاجة إلى موافقة مركزية دائمة.

في المقابل، فإنّ قرار تقسيم حلب هو قرار محلي صادر عن المحافظ، ولا يغير من طبيعة النظام الإداري المركزي في سوريا. أي تحول حقيقي نحو نموذج البلديات المستقلة يتطلب مرسوماً رسمياً وتعديلاً شاملاً لقانون الإدارة المحلية على مستوى الجمهورية، وهو ما لم يحدث.

لذلك، فإنّ الكتل الإدارية الجديدة هي مجرّد وحدات إشرافية تابعة للمحافظة، وليست بلديات تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري.

 

رصد حالة الشارع الحلبي.

انقسم الشارع الحلبي بين مؤيد للخطوة ومعارض لها وآخر ساخراً هذا القرار يتسم بالتباين الحذر والترقب.

الناشطون المدنيون أكدوا أنّ نجاح الإجراء لا يرتبط بعدد الكتل أو أسماء المسؤولين، بل بمدى قدرة المحافظة على إشراك الأهالي في صنع القرار المحلي، والابتعاد عن الإدارة من الأعلى.

بشكلٍ عام، لا يتعامل الأهالي مع التقسيم على أنّه إنجاز بحد ذاته، بل يراقبونه بانتظار نتائج ملموسة على أرض الواقع، خاصة في مدينة تعاني من دمار هائل (أكثر من 35 ألف مبنى متضرر) ، وتحتاج إلى إدارة مرنة ولامركزية حقيقية لإعادة بناء الثقة والخدمات.

يقول محمد فقاس وهو من سكان الصالحية: إنّ هذا القرار جيد وسوف يضيف الخدمات اللازمة للنهوض بالمدينة لأعلى قمة، مشيراً إلى أنّ العمل ضمن نطاق مقسم كما هو الحال في تركيا يشجع على التنافس بين المناطق ويقلص حجم المهام لدى مدير المنطقة، فهو يركز على منطقته دون سواها.

أمّا محمد نور وهو من سكان الجميلية يصف هذا القرار بأنّه قد يفرق بين سكان مناطق حلب التي هي بالأساس مفرقة بين مناطق حلب الشرقية ذات الخدمات السيئة ومناطق حلب الغربية ذات الخدمات الجيدة.

وقال: يجب أن يتحقق التوازن بشكلٍ أكبر، وألا يكون التقسيم على مناطقي بل يجب دمجها كلها في بلدية حلب وجعل البلدية تحمل عاتق العمل عن طريق موظفين شبان يلهفون لخدمة مدينتهم.

 

شارك

مقالات ذات صلة