مدونات

أبو فرات.. القائد الذي حمل الثورة

نوفمبر 12, 2025

أبو فرات.. القائد الذي حمل الثورة

علي البرغوث

في ريف حلب وفي لحظةٍ فارقة من تاريخ سوريا، حين تحوّلت البنادق إلى أصواتٍ تطالب بالحرية، ظهر اسم أبو فرات كأحد أبرز القادة العسكريين الذين اختاروا الانحياز للشعب، لا للسلطة. لم يكن مجرّد ضابطٍ منشق، بل كان رمزاً إنسانياً، وقائداً ميدانياً، وصوتاً وطنياً نقياً وسط ضجيج الحرب.

من ضابط في الجيش إلى قائد في الثورة.

وُلد يوسف الجادر المعروف بـ”أبو فرات” عام 1970 في مدينة جرابلس شمالي سوريا، ودرس في الكلية الحربية بمدينة حمص، ليتخرّج ضابطاً في الجيش السوري ويترقّى حتى رتبة عقيد، قائداً لكتيبة دبابات في اللاذقية. لكن مع اندلاع الثورة عام 2011، بدأ الصراع الأخلاقي داخله، بين الانضباط العسكري والانحياز للناس.

في تموز/ يوليو 2012، أعلن انشقاقه عن الجيش النظامي، رافضاً تنفيذ أوامر بقصف مدينة الحفة، لينضم إلى لواء التوحيد في ريف حلب، ويصبح قائداً لأركانه العسكرية. لم يكن انشقاقه مجرّد قرارٍ عسكري، بل موقف إنساني، عبّر عنه لاحقاً بقوله: “لو تركوا لنا خيار الاستقالة، لكنّا تركنا، لكنّهم أجبرونا أن نكون قتلة أو مقتولين”.

قائد المعارك وصوت الأخلاق.

قاد أبو فرات عدة معارك بارزة ضد قوات النظام، أبرزها في أحياء صلاح الدين وسيف الدولة والصاخور، وكان العقل المدبّر وراء عملية تحرير مدرسة المشاة، التي كانت مركزاً لقصف بلدات ريف حلب. لم يكن يكتفِ بالتخطيط، بل كان في الصفوف الأمامية، يشارك مقاتليه في الخنادق، ويخاطبهم بلغة الأب والأخ.

في تسجيلٍ مصوّر شهير، بعد تحرير المدرسة، قال: “والله مزعوج، لأنّ هذه الدبابات دباباتنا، وهؤلاء العناصر إخوتنا… كلما رأيت إنساناً مقتولاً، منّا أو منهم، أشعر بالحزن”. كانت كلماته تعكس موقفاً إنسانياً نادراً في زمن الحرب، يرفض الكراهية، ويدعو إلى المصالحة، ويؤمن بأنّ الثورة لا تعني الانتقام.

موقفه السياسي: وحدة وطنية بلا طائفية.

تميّز أبو فرات بخطابٍ سياسي جامع، يرفض الطائفية، ويدعو إلى وحدة السوريين. خاطب العلويين بشكلٍ مباشر، قائلاً: “أنا عشت في اللاذقية 22 سنة، أعرف أنّكم طيبون وفقراء.. النظام يستخدمكم وقوداً لحربه”. هذا الخطاب المعتدل جعله محبوباً بين مختلف شرائح الشعب، حتى من أولئك الذين لم يحملوا السلاح.

سعى إلى إقناع جنود النظام بالانشقاق، ووفّر لهم الحماية، مؤمناً بأنّ الثورة يجب أن تحقن الدماء لا أن تسفكها. دعا الضباط المنشقين في المخيمات إلى الالتحاق بالجبهات، قائلاً: “الخنادق هي التي تحمل الشرف، لا المكاتب”.

الرحيل الذي أبكى الثورة

في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2012، وبعد يومين من تحرير مدرسة المشاة، استُهدف مقر أبو فرات بقذيفة مدفعية، ليرتقي شهيداً مع عدد من رفاقه. رحيله ترك أثراً عميقاً في قلوب السوريين، الذين رأوا فيه نموذجاً للقائد النزيه، الشجاع، والإنساني.

أطلق لواء التوحيد اسمه على المدرسة التي حرّرها، وخلّدته ساحات الثورة، ورفعت لافتات بكلماته، التي باتت شعاراً ضد الطائفية والتسلّط.

إرثه في الذاكرة السورية.

بعد أكثر من عقد على رحيله، ما زال اسم أبو فرات حاضراً في وجدان السوريين. لم يكن مجرّد قائدٍ عسكري، بل كان ضميراً حياً، ومثالاً على أنّ الثورة يمكن أن تكون أخلاقية، وأنّ البندقية يمكن أن تحمل الرحمة، لا الحقد.

شارك

مقالات ذات صلة