سياسة

دمشق تواجه داعش وسط تحولات إقليمية

نوفمبر 11, 2025

دمشق تواجه داعش وسط تحولات إقليمية

بعد انهيار نظام الأسد في ديسمبر 2024، وفي خضم السباق المحموم لدمشق لمحاولة جمع شتات دولة مزقتها 14 عاماً من الحرب العنيفة، يظل تنظيم داعش كسرطان ينخر في عظامها. بينما تسعى سلطة دمشق، بقيادة رئيس الجمهورية أحمد الشرع، القائد السابق لهيئة تحرير الشام، إلى رسم مسار جديد لسوريا على الساحتين الإقليمية والدولية، يبقى التنظيم متربصاً، حاملاً ما تبقى من فلوله، ومستمراً في حرب أعلنها قبل نحو عقد من الزمن ضد كل من لا يشاركه رؤيته. 

الشرع، الذي خاض معارك ضارية ضد التنظيم في إدلب ومناطق سيطرة هيئة تحرير الشام قبل عام 2024، يواصل اليوم معركته ضد خلايا التنظيم وأيديولوجيته التي وجدت في الفوضى الأمنية التي أعقبت سقوط النظام بيئة خصبة لتتجدّد فيها، فيما يعتبره داعش هدفه الأول، معتقداً أنّ قتله أو اغتياله سيمكّنه من خلط الأوراق مجدداً، ليجد لنفسه مساحة للتوسع والسيطرة بعد انهيار السلطة الحالية.

بحسب مصادر أمنية سورية، تمكنت السلطات السورية خلال الأشهر الأخيرة من إحباط مخططين استهدفا اغتيال رئيس الجمهورية أحمد الشرع. جاء هذا الإعلان بالتزامن مع التقارير التي تشير إلى اقتراب انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتزامن مع اللقاء الذي عقد في الـ10 من نوفمبر 2025 بين الشرع والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن.

وأكدت وزارة الداخلية السورية أنّ هذه المحاولات تمثل دليلاً قاطعاً على استمرار تهديد داعش للمنطقة، مشددة على عزم سوريا الحازم في مكافحة الإرهاب والتعاون الدولي للقضاء على التنظيمات المتطرفة.

وتضيف مصادر شرق أوسطية أنّ أحد مخططي محاولة الاغتيال كان مرتبطاً بفعالية علنية حضرها الشرع، وهي زيارة برفقة وزير الداخلية السوري أنس خطاب إلى درعا في السابع من حزيران من العام الجاري. تشير مصادر متقاطعة إلى أن جهاز الاستخبارات التركي أدى دوراً محورياً في التحذير المبكر وإحباط المخطط، ممّا يعكس هشاشة المشهد الأمني السوري وتعقيداته، حيث تستغل الجماعات الإرهابية التوترات الحدودية والسياسية بين الأطراف الإقليمية. في مواجهة هذه التحديات، نفذت السلطات السورية 61 مداهمة أمنية خلال الأشهر الأخيرة استهدفت خلايا التنظيم، أسفرت عن اعتقال 71 عنصراً، في محاولة مستمرة لاحتواء تهديد داعش المتجدد الذي استفاد من الفوضى الأمنية عقب انهيار النظام.

تأتي هذه الأرقام لتؤكد استمرار المعركة المفتوحة بين الدولة السورية وفلول التنظيم، وسط مشهد إقليمي ودولي معقد يعيد ترتيب أوراقه بما يتوافق مع مصالح مختلفة. حكومة الشرع تحاول جاهدة إخراج سوريا من عزلتها الدولية عبر زيارات مكوكية شبه أسبوعية إلى المحيط الإقليمي والدولي، وبدأت بوضع حجر الأساس لانضمام سوريا المرتقب إلى التحالف الدولي ضد داعش. هذا الانضمام يحمل بعداً رمزياً وعملياً في آن، حيث يضع سوريا في مسارٍ جديد كلياً، يقطع صلتها الماضية بالتصنيفات الإرهابية التي طالما فرضت عليها عزلتها.

مع ذلك، ما تزال التحديات قائمة، إذ يستغل تنظيم داعش عدداً من العناصر المتشددة في مناطق سيطرة الحكومة السورية، مستفيداً من الخلافات والصراعات الداخلية، خاصة العداء المعلن بين مليشيا الهجري ومليشيا قسد مع حكومة دمشق، التي قد تُستخدم كشبكة إمداد وتسهيل لحركة التنظيم. هذه الحالة تعكس تعقيدات الصراع السوري الذي لم تنجح أي قوى حتى الآن في حسمه بشكلٍ كامل، ممّا يترك الباب مفتوحاً أمام تمدد أو تحرك متقطع لخلايا التنظيم الإرهابي.

يبدو أنّ سوريا اليوم تقف عند مفترق طرق، بين استمرار المواجهة الأمنية المكثفة ومحاولات إعادة دمجها في المنظومة الدولية، وبين بقاء مناطق من الدولة عرضة للفراغات الأمنية التي تستغلها الجماعات المتطرفة. انضمام دمشق للتحالف الدولي قد يفتح آفاقاً للتنسيق الأمني وتحسين أداء مكافحة الإرهاب، لكنّه في الوقت ذاته يفرض عليها تحديات داخلية وخارجية تتطلب استراتيجيات دقيقة وحلولاً مستدامة.

ختاماً، تبقى المعركة مع داعش أكثر من مجرّد مواجهة عسكرية أو أمنية، إنها صراع على مستقبل سوريا ذاته، بين من يريد لها أن تخرج من أزمتها إلى بر الأمان والاستقرار، ومن يحاول استغلال الفوضى لإعادة رسم خريطة الصراع، على حساب دماء وآمال السوريين. في هذا المشهد المتقلب، يظل السؤال الأكبر: هل تنجح سوريا بقيادة الشرع في كسر دائرة العنف والفوضى، وبناء دولة جديدة تليق بتاريخ هذه الأرض وشعبها؟ أم أنّ ظلال التنظيم وفلوله ستظل تلاحقها، تحاول أن تعيد رسم الخراب مجدداً؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة.

شارك

مقالات ذات صلة