تأملات
لا يحتاج اللّه عز وجلّ منك أنْ تناورَه، أو أن تنادِدَهْ، هو يطلبُ منكَ أن تستسلم له، ثقةً به وحبّاً له، والحبيب حين يستسلمُ لحبيبه فهو في أمانٍ مطلق، لأنّه لا يمكنُ أنْ يُقدّر عليك إلّا الخير الذي يعلمه عنك ولا تعلمه عن نفسك.
(وفي كلِّ ما يشاءُ الله خير)
تلك الخيرية التي رسّخها الله عزّوجلّ في قانونه الكونيّ، ليست إلا حبلَ نجاة، من وساوس الشيطان، ومن جهل الإنسان بربّه.
ولذلك (اعرف الله ثمّ تكلّم عنه)، (بادل الله الحبّ ثمّ تكلّم عنه)، (جرّبْ أن تستسلمَ له تماماً ثمّ تكلّمْ عن جمالية استسلامك)
الاستسلامُ الوحيد الّذي تحقّقُ به انتصاراً عظيماً، هو استسلامك لله عزّوجلّ، وأن تحني رأسك للأقدار إجلالاً للمُقدّر الأعلم بنا من أنفسنا.
ينقذك الاستسلام منك، لأنّك إن لم تستلم لأمره فيك، فإنّك أمام خياراتٍ مميتة، إمّا أن تظلَّ تلهث وراء الأسباب التي أودتْ بك لهذه النهاية، ولا تستطيع إدراك ماهيتها تماماً.
وإمّا أن تظلّ تدور في فلك (لماذا حدث معي هذا؟)، حتّى ينتهي بك الأمر إلى التمرّد المطلق على كلّ شيء، وحين يبدأ تمرّدك على قدر الله الذي نفذ بك، يفرح بك الشّيطان، فهو سيّد التمرّد ومريده ومراده، فلولا كبره وتمرّده، ما كنّا الآن نعيش على الأرض، لأنّك مكاننا الأصليّ هو الجنّة.
ولأنّها رحلة، قدّرَ الله لنا أن نعيشها على الأرض ريثما نعود إلى مكاننا الأصليّ الجنّة، فإنّه يجب ألّا نعيش هذه الرحلة ونحن نكافئ الشّيطان بتذمرنا الدائم وشكّنا المزعج، بل علينا أن نجعل منها تجربة عرفانية نتقرّب منها من الله العظيم الذي أمدّنا من روحه.
الاستسلام نهايته عظيمة جداً ومدهشة في حياتك، حين تستسلم لأمرِ الله فيك ستحظى بنتائج خيالية، أستحضر في ذلك ما حدث مع سيّدنا إسماعيل عليه السلام، حين استسلم لأمر الله ووضع عنقه تحت سكين والده، ماذا حدث؟
فداه الله عزّوجلّ بكبشٍ عظيم، وجعل ذلك اليوم خالداً، فقد أصبحَ عيداً عظيماً للمسلمين يستمر الاحتفاء به منذ تلك اللحظة إلى الأبد.
وعلى صعيد أمّ موسى رضي الله عنها، حين ألقت سيدنا موسى في اليمّ، ماذا حدث؟
الله عز وجل أعاده لها ودبر أمر عنايته بأجمل ما يكون وفي أفضل قصر يمكن أن يعيش به أحد
وإذا أردت التقريب أكثر على ماهية (الاستسلام لله) فإنَّ الاستسلام غالباً يكون على غيرِ هواك، يعني تريد أمراً ويريد الله عزّ وجلّ غيره، أو تجد نفسك تسير في طريقٍ غير الطريق الذي كنتَ ترسمه، أو يحدث معك أمر يقلب موازين حياتك ويغيّر كلّ خططك، في هذه اللحظة إذا استسلمت لأمره ورضيت، فانظر كيف الله عزوجلّ يفرح بك، ويدللك برضاه عنك من خير الدنيا والآخرة.
فاجتز الاختبار واستسلم لله في جميع أمرك، فمالك الملك أحقّ بك منك، ويحبك أكثر منك.
وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم



