فنون
“The Illusionist” أو “الساحر” هو فيلم دراما رومانسي رائع وممتع ومملوء بالإثارة والغموض، للمخرج “نيل برغر”، الذي قام أيضًا بكتابة النص السينمائي باقتباسه من القصة القصيرة “آيزنهايم الساحر” للكاتب “ستيفن ميلهاوزر”، التي أصدرها في عام 1989.
تدور أحداث الفيلم في فيينا في مطلع القرن العشرين، مع “آيزنهايم”، وهو فتى فقير من عامة الشعب يقع في حبّ الفتاة الأرستقراطية “سوفي”، لكن القيود الطبقية تفرّق بينهما، وتمرّ الأعوام ويصبح ساحرًا شهيرًا، ليكتشف أنّ محبوبته باتت مخطوبة لولي العهد الأمير “ليوبولد”، فتصبح العروض السحرية التي يقدّمها “آيزنهايم” على خشبة المسرح ميدان مواجهة رمزية بينه وبين الأمير.
يقوم الأمير المتعجرف “ليوبولد” بتكليف رئيس المفتشين “أول” بمراقبته، الذي يُدرك شيئًا فشيئًا أنّ هذا الساحر لا يكتفي بسحر أعين الجمهور، بل يتسلل إلى قلوبهم، ويثير فيهم أسئلة عميقة عن الإيمان والسلطة، وتتصاعد الأحداث حين تُقتل “سوفي” في ظروفٍ غامضة، ويتم الاشتباه بالأمير “ليوبولد”، لكن “آيزنهايم” يستخدم سلسلة من الخدع البصرية لإرباك الجميع وإظهار طيفها أمام الجمهور في العروض، فتندمج الحقيقة مع الوهم، إلى أن تنكشف الخدعة الكبرى، وينقلب كلّ شيء رأسًا على عقب.
تم بناء الفيلم على طبقات من الوهم، ليس فقط على مستوى الحبكة، بل حتى في الطريقة التي تُسرد بها قصته، وقد أبدع “نيل برغر” في صياغة النص السينمائي ونقله إلى الشاشة برؤية فنية إبداعية جميلة، حيث يبدأ الفيلم بمشهدٍ من نهايته، ثمّ يعود إلى الماضي، لتدور القصة كلها داخل فلاش باك، ما يجعلنا دائمًا في حالةٍ من الشكّ والذهول، فهل ما نراه حدث فعلاً أم نحن أيضًا جزء من الخدعة؟!
لقد أبدع الممثلون، وأبرزهم “إدوارد نورتن” بشخصية الساحر “آيزنهايم” التي قدّمها بأداءٍ هادئٍ وعميق يجمع بين الغموض والدهاء، فكان وجهه الصامت أكثر بلاغةً من أيّ حوار، وكذلك “بول جياماتي” كان مدهشًا بشخصية رئيس المفتشين “أول”، ولا أنسى “جيسيكا بيل” بشخصية “سوفي”، و”روفس سيويل” بشخصية الأمير “ليوبولد”، والجدير بالذكر أنّ “آرون تايلور جونسون”، الذي كان ممثلًا واعدًا آنذاك، جسّد شخصية “آيزنهايم” في مرحلة المراهقة.
بلغت ميزانية إنتاج الفيلم حوالي 17 مليون دولار، وقد حقّق نجاحًا كبيرًا بإيرادات تزيد عن 87 مليون دولار في شباك التذاكر في أمريكا وبقية دول العالم، كما نال إعجاب النقاد، والفيلم كان الفيلم مبهرًا من الناحية الفنية والبصرية، وترشّح لجائزة الأوسكار لأفضل تصوير، حيث أبدع المصوّر “ديك بوب” في توظيف الضوء والظل باحترافية عالية ليظهر فيينا بصورةٍ يكتنفها الغموض والجمال، فبدت كلّ لقطةٍ كأنها لوحةٌ زيتيةٌ عريقة.
كما أسهمت مواقع التصوير والديكورات الغنية بالتفاصيل في تعزيز هذا الإحساس، إذ استُخدمت القصور والشوارع القديمة لتجسيد أجواء فيينا الإمبراطورية بكلّ فخامتها، أما الأزياء فقد صُمّمت بدقةٍ متناهية مفعمةً بالأناقة الكلاسيكية التي تميّزت بها تلك الحقبة الزمنية، ولا يمكن إغفال الموسيقى التصويرية الجميلة التي ألّفها “فيليب غلاس”.
الفيلم ليس مجرّد قصة حبّ مستحيلة أو صراعٍ بين الساحر والأمير، بل هو تأمّلٌ عميق في حدود الوهم والحقيقة، وفي العلاقة بين الفنّ والسلطة، وبين الإيمان والعقل. إنّه عن الإنسان الذي يلجأ إلى الوهم بحثًا عن حقيقةٍ مفقودة، أو عن عدالةٍ يعجز الواقع عن تحقيقها.


