تأملات

‏ستعلمُ يا غادر!

نوفمبر 8, 2025

‏ستعلمُ يا غادر!

‏مما جاء في صحيح سُننِ ابن ماجة:

‏عندما رجع مهاجرو الحبشةِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ألا تُحدِّثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟

‏فقال بعضهم: بلى يا رسول الله، بينما نحن جلوسٌ مرَّتْ بنا عجوزٌ من رهابينهم، تحملُ على رأسها قُلَّةَ ماءٍ، فمرَّتْ بفتىً منهم، فجعلَ إحدى يديه بين كتفيها، ثم دفعها، فخرَّتْ على ركبتيها، فانكسَرتْ قُلَّتُها!

‏فلما وقفتِ العجوز التفتتْ إليه، وقالتْ له: سوف تعلمُ يا غادر، إذا وضعَ اللهُ الكرسيَّ، وجمعَ الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غداً!

‏فجعلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: صَدَقَتْ، صَدَقَتْ، كيف يُقدِّسُ الله أُمةً لا يُؤخذ لضعيفهم من شديدهم!

‏الحمدُ للهِ على نعمة أنّه هناك يوم قيامة!

‏هذا اليوم على ما فيه من أهوال حيث تدنو الشمسُ من رؤوس العباد، وعلى ما فيه من مخاوف حيث تشيبُ رؤوس الولدان حين يقولُ اللهُ تعالى لآدم عليه السّلام: أخرِجْ بعث النار، من كلّ ألف نفسٍ واحدة إلى الجنة والباقي إلى النار!

‏إلا أنَّه لولا هذا اليوم لكانت الحياة ضرباً من العذاب، فلا شيء يهوِّن على المظلومين عبور الطَّريق غير إيمانهم أنَّ هناك آخرة!

‏ستعلمُ يا غادر!

‏يا من أخذ حقَّ غيره في الوظيفة بالواسطة، وجاء نافشاً ريشه كالطاوس لأنّه من طرفِ فُلان! ما زال للحكاية بقيَّة!

‏يا من غصبَ إخوته وأخواته حقَّهم من الميراث، يحسبُ أنّ الأمر انتهى هنا، اِستعِدْ لن تُسدَلَ السَّتارة إلا حين تقف بين يدي جبار السماوات والأرض!

‏ويا من حطَّ من سُمعة امرأةٍ عفيفة فأسقطها من عيون الخلق، ما ربحتَ إلا معركةً يتيمة، الحربُ لن تضعَ أوزارها إلا في محكمة الآخرة!

‏ويا من ظلَمَ زوجته، وأذاقها مُرَّ الحياة، ستعرِفُ غداً أنَّ من كان هنا لا يَرحمُ، فهناكَ لن يُرحم!

‏ويا من أفنى أعمار النّاس بادِّعاء الحُبِّ، وتمثيل الهيام والشوق، ولا غاية له إلا أن يستمتع ويتسلَّى، ستعلَمَ حين تُنصبُ الموازين أنَّ قلوب الناس غالية عند خالقها!

‏ويا أيّها المديرُ الذي عاملَ موظفيه كأنّهم عبيد، فأذَّلهم في لقمة عيشهم، وعبث بكراماتهم، وأراق ماء وجوههم، سترى غداً كيف أنّ الجزاء من جنس العمل!

‏ويا أيّها القاضي الذي ارتشى، ويا أيّها المهندسُ الذي غشَّ، ويا صاحب المستشفى الذي ترك الناس يموتون على أبوابها لأنّهم لا يملكون ثمن العلاج، ويا صاحب العمارة الذي ألقى الناس في الشّارع لأنّهم تأخروا في الأُجرة، ويا من عقدَ سِحْراً فخرَّب حياة الناس، ويا من مشى بالنميمة فأفسد ودَّ القلوب، ويا ظالمة كِنَّة، ويا فاجرة مع حماة، موعدنا جميعاً يوم القيامة، وإلى تلك اللحظة تذكروا قول عجوز الحبشة: ستعلمُ يا غادر!

‏أدهم شرقاوي

 

شارك

مقالات ذات صلة