مدونات
بيان الأشمر
لاحظ أغلب قاطني مدينة دمشق بعد تحرير سوريا، أنّ حالات التسول بدأت تكثر في سوريا عامةً وفي دمشق خاصة. حيث بدا أنّ هناك انتشاراً كبيراً للمتسولين من نساءٍ وشيوخٍ ولا سيما الأطفال بكثرة.
فتراهم منتشرين في الشوارع بين السيارات والحدائق وجميع الأماكن العامة، بعضهم يدّعي المرض وبعضهم يعمل على مسح السيارات وبعضهم يمسك بعلبة بسكويت أو محارم، ويتجول محاولاً البيع وكسب النقود، مدعياً آخرهم أنّه لا يتسول بل يبيع ليكسب النقود، وأيُّ عائلة تلك التي تعيش على بيع المحارم والبسكويت؟
تلك الظاهرة تماشت مع شبه انعدام الأمن والأمان وكثرة السرقات، حيث أصبح الناس في الطرقات يتوخون الحذر من أيّ محاولة سرقة.
كما ظهر ذلك موافقاً للتراجع الاقتصادي الذي بدا سيئاً وواضحاً، ففي أحدث دراسة أجراها المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة عند سؤال بعض السوريين عن أوضاع أسرهم الاقتصادية: أفاد أنّ 42% من أسرهم تعيش حالة عجز وعوز ودخلهم لا يكفي لتغطية الحاجات الأساسية، وأفادت أغلبية الأسر التي تعيش عوزاً أنّها تعتمد على الاستدانة والمعونات من المعارف في سد حاجاتها الأساسية، وقال نحو 61% من المستجيبين للأسئلة أنهم نادراً ما يأكلون اللحم.
وفي هذا السياق أعرب 27% من السوريين عن رغبتهم في الهجرة من سورية، وقد عزا 40% منهم رغبتهم في ذلك إلى أسباب اقتصادية.
إذن ما السبب وراء ذلك؟
لقد ذكر السياسي السوري فايز سارة لصحيفة الشرق الأوسط: “منذ إسقاط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024، تغيّرت قواعد السياسة في سوريا، وخاصة في المجالين السياسي والاقتصادي، ممّا وفّر أرضية جديدة للتعامل مع الفقر، وفرصاً أفضل لخفض نسبته على الأقل. غير أنّ هذه الحقيقة بدت صعبة التحقيق بحكم وقائع سوريا بعد نظام الأسد، ووقائع خارجية تتعلّق بها. وأبرز وقائع الأولى أنّ نظام الأسد خلف بلداً مدمراً ومنهوباً بكل معنى الكلمة في قدراته واقتصاده ومؤسساته، وشعباً مشتتاً تحيط به صعوبات ومشاكل مركبة وسط مستوى مرتفع من التدخلات الإقليمية والدولية، والتي كان أبرزها العقوبات الدولية، ولا سيما الأمريكية والأوروبية منها”.
الحلول المقترحة لظاهرة التسول
عقدت لجنة معالجة ظاهرة التسول، وذلك نقلاً عن وكالة سانا للأنباء، اجتماعها الأول في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي في مقر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بدمشق، بمشاركة الوزيرة هند قبوات وممثلين عن الوزارات المعنية، لبحث الاستعدادات لإطلاق حملة وطنية شاملة تهدف للحد من انتشار التسول وتعزيز آليات الحماية والتأهيل للفئات المستهدفة.
حيث تناول الاجتماع محاور الحملة التي تشمل: استقطاب الفئة المستهدفة، وتجهيز مراكز الحماية والتأهيل، وخدمة إدارة الحالة، والدعم النفسي والصحي، إلى جانب تقديم خدمات قانونية وتعزيز الدمج المجتمعي، وشدّد المشاركون على أهمية المتابعة الأسرية، وتنمية المهارات والهوايات لدى المستفيدين، وتفعيل المبادرات الشبابية والمجتمعية عبر منظمات المجتمع الأهلي.
وكانت الوزيرة قبوات قد ناقشت في تموز/ يوليو الماضي كذلك مع الجهات المعنية، الخطوط العريضة للخطة الوطنية لمكافحة التسول.
ما الخطة الحكومية لمكافحة التسول؟
أفادت مديرة مكتب التسول في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل خزامى النجاد للإخبارية السورية أنّه يوجد مركزان حالياً تابعان للوزارة، الأول للفتيات في باب مصلى في حي الميدان بالعاصمة دمشق، ويستوعب 60 حالة، والثاني للفتيان في قدسيا في ريف دمشق بطاقة استيعابية تصل إلى 75 حالة. وتعمل الحكومة على ترميم مركز الكسوة الذي يستوعب 400 حالة، وسيكون مخصّصاً لتدريب وتأهيل الحالات وتعليمهم المهن، إضافة إلى ترميم مركزين في باب مصلى مخصّصين للفتيات لاستيعاب 150 فتاة، في حين قاربت الوزارة من الانتهاء من ترميم مركز تابع لجمعية “جذور” مخصّص لحالات الإعاقة وللأطفال مجهولي النسب.
وأكدت أنّ الوزارة ستبدأ حملة وطنية شاملة فور الانتهاء من ترميم المركزين الجديدين في باب مصلى ومركز الكسوة.
وأصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الخميس 11 أيلول/ سبتمبر، مذكرة تفاهم مع مجموعة الحبتور بقيمة 2.5 مليون دولار لدعم مراكز الرعاية والتأهيل، ومن ضمنها مركز الكسوة لتأهيل وتدريب المتسوّلين، الذي يستوعب نحو 400 شخص.
وانطلقت المرحلة الأولى من حملة مكافحة التسول في حلب في 19 آب/ أغسطس الفائت، مترافقة مع تخصيص مركز إيواء مجهز لاستقبالهم، يضم غرفاً للإقامة وعيادة طبية لتقديم الخدمات الصحية اللازمة.
وامتدت المرحلة الثانية من الحملة نفسها لتغطي أحياء ومناطق أوسع من المحافظة، جرى خلالها نقل عدد من المتسولين من مختلف الأعمار إلى مركز مكافحة التسول لمتابعة أوضاعهم ضمن برامج الرعاية والتأهيل، في إطار خطة شاملة للحد من الظاهرة ومعالجتها بطرق اجتماعية وإنسانية”.

