تجارب
مرحباً حبيبي كنان
ها نحنُ ننهي كتابَنَا الأوّل، نعم (كتابَنَا)، فقد ألهمتني إياه، وربّما كلمتني في قلبي حقيقةً، لذلك أسميتهُ (يُكلّمني كنان)، لن أسمح للاحتلال أن ينتصرَ عليَّ بقتلك، فرواية الله هي الأصدق يا شهيدي (الحَيّ).
وإنْ أحياكَ الله، كيف تقتلكَ النّشرةُ الإخباريةُ، وعيونُ المعزّين؟
لن أسمحَ لهم يا ماما أن يعتبروك ميتاً أبداً، ثق بذلك.
اللحظة الأولى التي ألهمتني هذا الكتابَ، حينما سمعتُ صوتكَ يكلّمني بين اليقظةِ والمنام وأنت تقول لي (ماما أنتِ حلوة كتير) والحقيقةُ أنّني لا أنسى جمال تلك الراء الرائعة في (كتير) وكنتُ قد تعذّبتُ وأنا أعلّمكَ إياها سابقاً، وكم ضَحِكَتْ عليكَ أوركيدا وهي تقول لك، كنان قل (راء) فتقولُ (ياء)، ونظلُّ نضحكُ عليك.
كم أنتَ قلبي يا كناني
تلك الجملةُ الشاعريةُ التي قلتها في المنام، فتحتْ لي آفاقاً كبيرةً من الإلهامِ والتخيُّلِ معاً، وهي بأنّني أستطيعُ فعلاً التواصلَ معك، تخيّلْتُ بأنّكَ تنظرُ من السماءِ إلى الأرضِ، فتسألني أسئلةً كثيرة تدورُ في عقلك.
أقتبسُ من الكتاب (هذا السؤال الذي تخيلتُ أنّكَ توجهه لي)
– هل ما زلتِ تحبّينَ البحر؟
– ليسَ كالسّابق.
– لماذا؟
– لأنّني لا أعرفُ كيفَ أصنعُ مدينةً من الرملِ على شاطئه.
– بالتأكيدِ ستجدينَ ولداً يحبُّ اللعبَ بالرملِ، دعيهِ يُعلِّمْكِ.
– وجدتُ واحداً، لكنّه لم يُعلّمني!
– هل رفض؟
– لا،
كانتْ يدهُ مقطوعة!
وهكذا يسيرُ نسقُ كتابنا يا حبيبي، بين أسئلتك وأجوبتي، وبين أسئلتي وأجوبتك، أتخيلكَ أحياناً طفلاً بريئاً يظلُّ محتاجاً لأجوبةِ أمّهِ وحتى وإن سبقها إلى عالم الخُلد والأجوبة المطلقة، وأحياناً أتخيّلكَ عارفاً بالله تساعدُني على إيجادِ الأجوبة، وتمدّني بالشغف، فتصبح معلمي وأصبحُ تلميذتك.
أقتبسُ من الكتاب (أسئلةً طرحتها عليك)
– ماذا لو كنتَ فلاحاً؟
– سأزرعُ بينَ كلِّ حَجَرَينِ مَهْدُومَينِ شَتْلةَ نعناع،
لنشمَّ رائحةَ الأرضِ أثناءَ نزوحنا،
قد نشعرُ بالألم،
لكنّنا لنْ نشعرَ بالغربة.
– ماذا لو كنتَ صانعَ دمى؟
– سأضعُ داخلَ كلِّ كفنِ طفلٍ دميةً،
كي لا يشعرَ بالوحدة.
– ماذا لو كنتَ أسداً؟
– سأحملُ الأطفالَ الذينَ بُتِرَتْ أقدامهمْ فوقَ ظَهْرِي،
ربّما لا أستطيعُ إعادةَ أقدامهمْ لهم،
لكنّهم سيشعرونَ وهمْ يجلسونَ فوقي أنّهمْ أبطالٌ وأقوياء.
وهكذا أستشعركَ في كلّ حرف، بين كلِّ سؤالٍ وجواب، وأكاد أشعرُ أنّك كتبتَ الكتابَ معي حرفاً بحرف، ودمعةً بدمعة، وخفقةً بخفقة، إلى حدّ أننّي أخافُ أحياناً أنْ أعيدَ قراءته خشيةَ أنْ أغرقَ في شوقي الكبير، لكنّ ذلك الشوق هذّبني وعلّمني الكثير، وعلمتُ فيما علّمني إياه الله، بأنّ الصبرَ على الشوق ليس لأيِّ أحد، فلا يطيق الصبر عليه إلا من اجتاز صراط الصدق مع الله عزّوجل، فنجا وأنجى، وسَعِدَ وأسعد
من شدّة انسجامي في هذا الحوار البرزخيّ، تخيلتكَ أيضاً تسألني أسئلةً عرفانية، فاستمتعتُ وأنا أتخيلك كذلك، كأن تسألني مثلاً عن الحبّ.
– كيفَ يحسُّ القلبُ بالحبّ؟
– إنّه مثلُ رعشةِ الكهرباء، لكنْ دونَ تمديداتٍ وأسلاك، رعشةٍ روحيّةٍ لا تحتاجُ سوى لقلبٍ صادقٍ يعشق بحقّ.
– لذلكَ كانَ بائعُ الشّاي يبكي البارحةَ بجانبِ عربتهِ بينما يستمعُ لأغنيةٍ لأمِّ كلثوم؟
– ربّما تذكّرَ حُبَّاً قديماً، أو ربّما رحلتْ زوجته، فتذكّرها.
– شاهدتُ شيئاً غريباً، قصفوا سيارةً تسيرُ من أمامه، لكنّه لم يرتجفْ ولم يهربْ، ظلَّ يستمعُ للأغنية بينما يحدّقُ في صورةٍ بين يديه،
هل ذلك هو الحبّ؟
– هذا أعظمُ تعريفٍ للحبِّ يا كنان:
(أنْ لا تشعرَ بشيءٍ آخرَ سوى الحبِّ،
فلا يرى قلبُكَ غيرَه،
ولا تبصرُ عيناكَ إلّاه،
أن تغيبَ به عنْ كلِّ شيء سواه،
حتى ولو مرَّ صاروخٌ من أمامك).
صديقي الحبيب، طفل قلبي وابن روحي، أعرفُ بأنّك سعيدٌ بهذا الكتاب، والحقيقةُ أنا أكثر سعادة، لأنّني بذلك أحسّك دائماً واقفاً أمامي تسألني وأجيبك، وأسألك وتجيبني، تضحك فأضحك، وأبكي فتقول لي (لا يليقُ بكِ البكاء).
شكراً للمؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت أنْ نشرتْ هذا الكتاب، والذي هو ليس مجرّد كتاب، إنّه قلبي وضعته بين أوراقٍ لا أراها إلا من مددِ كنان وجمال ضحكته وعظمة سرّه عند ربّنا
وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.


