فكر

أبواب الطغيان وإرث العبيد الطوعيين

أكتوبر 26, 2025

أبواب الطغيان وإرث العبيد الطوعيين

الكاتبة: سارة ديب

سقط الطاغية، لكن ظله الثقيل ما زال يخيّم على العقول. فبعد عقودٍ من القهر، نرى اليوم ما يُقلق: فئة من الشعب، كانت بالأمس تقدّس النظام المخلوع، تستعد اليوم لتقديس الحاكم الجديد، وكأنّها لا تعرف الحياة إلا تحت سقف العبودية الطوعية. هذا الإرث المسموم، الذي ورثته هذه الفئة من خوف وصمت، يهدّد بإجهاض قيم الثورة وفتح أبواب الطغيان من جديد.

هذا المقال هو صرخة تحذير ومهمة واضحة: كيف نمنع تكرار التاريخ، ونحصّن أبناءنا جيل التحرير  من أن يرثوا هذا “المرض النفسي الاجتماعي” الذي يصنع طاغية ويصفق له؟

 “الخطر الحقيقي ليس في سقوط الطاغية، بل في بقاء العبيد الطوعيين الذين يتعطشون لتقديس الحاكم الجديد. مهمتنا لم تنتهِ بإسقاط النظام فقط، بل تبدأ بمنع توريث الخوف والصمت إلى الأجيال القادمة”.

صناعة الأصنام وخطر التكرار.

الطغيان لا يولد فجأة، بل يُبنى تدريجياً على أكتاف العبيد الطوعيين الذين يرفعون الحاكم فوق المساءلة. الأمة التي تعوّدت تعظيم الأشخاص لا المبادئ، تُهيئ نفسها لتبديل صنم بآخر، وتفتح الباب لاستبداد جديد.

تشخيص الخطر: من منظور علم النفس الاجتماعي، تقديس الحاكم هو هروب من عبء الحرية؛ فهذه الفئة تفضّل تسليم قرارها الأخلاقي والسياسي خوفاً من مسؤولية التفكير النقدي. وهنا يكمن قلقنا نحن أبناء الثورة: أن يتحوّل نضالنا من ثورة على الاستبداد إلى مجرّد تبديل وجوه.

يجب أن يدرك جيل التحرير أنّ التقديس بحد ذاته هو إرث مرضي، وأنّ العصبية التي يُبنى عليها الحكم يجب أن تتحوّل من ولاء شخصي إلى ولاءٍ للمبدأ، كما أشار ابن خلدون.

إرث الخوف.

هذه الفئة عاشت تحت رحمة النظام المخلوع، وتكيّفت مع الخوف كآلية للبقاء، ورغم أنّ الأرض تحرّرت، بقي أثر الطغيان في النفوس. ولهذا، لا يهمهم من يحكم، بل أن يكون هناك من يطيعونه بلا سؤال.

مواجهة الإرث: مهمتنا كجيل مقاوم للطغيان أن نقطع هذا الإرث المسموم، ونمنع انتقاله إلى أطفالنا. قد يصعب تغيير سلوك الكبار الذين أدمنوا الطاعة، لكن يمكننا منع تكاثر أفكارهم في عقول الأبناء.

علينا أن نعلّم جيل التحرير أنّ الحرية ليست شعاراً، بل مسؤولية ثقيلة تتطلب وعياً ومساءلة. وكما يقول إريك فروم، الإنسان الحر لا يهرب من المسؤولية، بل يتحمل عبء فكره. مهمتنا أن نبني جيلاً لا يعبد، لا يقدّس، ولا يصفّق، كي لا يكون جسراً لطغاة جدد.

حصانة جيل التحرير.

الثورة الحقيقية لا تُصنع في الشوارع فقط، بل في العقول. لقد كانت مناهج التعليم لعقودٍ هي الورشة الرسمية لصناعة العبيد الطوعيين، حيث رسّخت ثقافة الطاعة العمياء وتقديس الأشخاص.

دورنا في البناء: مسؤوليتنا التاريخية هي تفكيك هذا الإرث التعليمي، وبناء بيئة آمنة لأطفالنا، تكون فيها المناهج:

  1. لا تقدّس الأشخاص أو الرموز فوق القانون.
  2. منفتحة فكرياً، تشجّع على التفكير النقدي والمساءلة.
  3. تُعرّف الطفل بحقوقه، وتحصّنه ضد الاستبداد.

هذا هو دورنا في توعية الأبناء بخطر العبيد الطوعيين، وبناء جيل يرفض صناعة الطغاة الجدد.

يقول باولو فريري: “المستبد لا يخاف من الجائع، بل من المفكر؛ لأن المفكر لا يُقاد، ولا يُصفّق، ولا يُخدع.”

جيل اللّامقدسين هو ضمانة المستقبل.

الثورة الحقيقية هي منع عودة الطغيان إلى العقول والبيوت. حين نعلّم أبناءنا أن يسألوا “لماذا؟” دون خوف، نكون قد بدأنا بناء أول جيل يعرف أن ّالحرية ليست منحة من حاكم، بل حقّ يولد مع الإنسان.

الأمل في التحرير، كلّ الأمل معقود على جيل التحرير، الجيل القادر على كسر إرث آبائهم المصفقين للمستبد. إنّ بناء سوريا الجديدة يبدأ ببناء جيل اللّامقدسين؛ جيل يقدّس القيم كالعدل، الحرية، الكرامة لا الأشخاص. هذا الجيل، الذي يرفض أن يكون جسراً لطغاة جدد، هو الحارس الحقيقي للحرية، والضمانة لعدم تكرار التاريخ.

 

شارك

مقالات ذات صلة