مشاركات سوريا

الأتمتة أم التقليدي؟ العدالة تبدأ من قاعة الامتحان

أكتوبر 22, 2025

الأتمتة أم التقليدي؟ العدالة تبدأ من قاعة الامتحان

الكاتب: عبد الله بشار تركماني

 

منذ سنوات، بدأت كلية الحقوق في جامعة دمشق بخطواتها الأولى نحو “الأتمتة”؛ ذلك النظام الذي وُلد في البداية كتجربةٍ تطويرية لتسهيل العمل الأكاديمي وضبط الامتحانات وتخفيف الأعباء الإدارية.. لم يكن التحوّل فجائياً، بل جرى بهدوءٍ وعلى مراحل، بحيث عاشت بعض الدفعات بين النظامين: التقليدي والآلي، في فترة انتقالية امتدت لسنوات.

 

لكن اليوم، مع تداول فكرة العودة إلى النظام التقليدي، يبرز سؤال منطقي: هل من العدل أن تكون العودة مفاجئة بينما الانتقال للأتمتة كان تدريجيًّا؟

التحوّلات الأكاديمية، بطبيعتها، تحتاج إلى زمن كافٍ لتتكيف معها المنظومة التعليمية، سواء على مستوى الطالب أو الكادر التدريسي أو حتى البنية الإدارية. وبالتالي، فإنّ أي عودة للنظام التقليدي ينبغي أن تراعي الفترة الزمنية التي استغرقها التحوّل إلى الأتمتة، كي لا يتحوّل الإصلاح إلى ارتباك.

 

 

المخرجات.. التحدي الأكبر

خلف كلّ نقاشٍ حول آلية الامتحان، هناك ملف أكثر عمقاً: مخرجات التعليم العالي.

في كلية الحقوق، الأعداد المتزايدة من الخريجين والطلاب الجدد باتت تشكّل تحدياً حقيقيًّا، خاصة في السنوات الأولى حيث يصل عدد الطلاب أحياناً إلى نحو 4 آلاف طالب في السنة الواحدة وربما أكثر.

هذا الرقم الكبير لا ينعكس فقط على قاعات الدراسة وطبيعة الامتحانات، بل يمتد أثره إلى نقابة المحامين التي تستقبل سنوياً آلاف المتقدمين الجدد.

هنا تظهر فجوة واضحة بين عدد خريجي الكليات والطاقة الاستيعابية للنقابات، وهو ما يطرح تساؤلاً مشروعاً: هل المخرجات الحالية تتناسب فعلاً مع حاجة سوق العمل والنقابة؟

 

 

فكرة الربط بين الكليات والنقابات

أحد المقترحات التي يمكن أن تخلق توازناً واقعيًّا تتمثّل في ربط القبول في النقابات بمعدلات الخريجين، بحيث تُجري كلّ نقابة مفاضلة خاصة بها، تحدد من خلالها الحد الأدنى للمعدل المطلوب للانتساب.

هذه الخطوة، إن طُبّقت، يمكن أن تساهم في ضبط الأعداد، وتحقيق نوع من التوازن بين المخرجات والفرص المتاحة، بدلاً من أن يتحوّل الأمر إلى تراكم عددي لا يخدم المهنة ولا الخريجين أنفسهم .

 

 

الأتمتة ليست المشكلة… بل كيفية استخدامها

في المقابل، لا يمكن إنكار أنّ الأتمتة قدّمت فوائد واضحة من حيث الدقة والسرعة والعدالة الشكلية في التصحيح. المشكلة ليست في النظام بحد ذاته، بل في كيفية التعامل معه.

ففي حال قرّرت الكلية الإبقاء على نظام الأتمتة، يمكن معالجة مسألة تضخّم المخرجات بوسائل أخرى، كرفع مستوى الأسئلة وزيادة عمقها التحليلي، بحيث لا تعتمد فقط على الحفظ، بل على الفهم القانوني والمنطقي، بهذه الطريقة، يبقى النظام مؤتمتاً، لكن النتائج تعكس جودة حقيقية لا كمية رقمية فقط.

 

بين العدالة الأكاديمية والعدالة المهنية

في النهاية، ليست القضية “أتمتة أم تقليدي”، بل “كيف نحقق العدالة” في نظام يُفترض أنّه يصنع حماة العدالة.

كلية الحقوق ليست مجرّد قاعات وامتحانات، بل بيئة تُخرّج من سيحمل ميزان القانون غداً، ولذلك، فإنّ كلّ تفصيلٍ فيها من طريقة الامتحان، إلى المخرجات، إلى الارتباط بالنقابة يجب أن يُدار بذات الروح التي يُدرّس بها القانون نفسه: بالتوازن، والإنصاف، والتدرّج في التغيير.

 

 

صوت الطلاب بين النظامين

الطلاب، بدورهم، يعيشون بين قناعتين: فمن جهة، يرون في الأتمتة نوعاً من العدالة في التصحيح وتخفيف الأخطاء البشرية، ومن جهة أخرى، يشعر البعض أنّ النظام التقليدي يمنحهم فرصة أكبر للتعبير والتحليل، بعيداً عن الصيغة الجافة للأسئلة المؤتمتة.

لكن ما يجمعهم جميعاً هو مطلب واحد: الاستقرار الأكاديمي. أن يعرف الطالب أين يتجه، وكيف يُقاس جهده، دون تغييرات مفاجئة تربكه في منتصف الطريق.

ربما هذا ما تحتاجه الكلية اليوم فعلاً: قرار متوازن، يراعي الواقع، ويضع مصلحة الطالب والمهنة في كفتي ميزان واحد.

شارك

مقالات ذات صلة