إسرائيل و أبناء الخليج: هل آن الأوان لإعادة تعريفنا للعدو الحقيقي؟
منذ سنواتٍ وعقود، اعتاد العقل الخليجي أن يرى المشهد الأمني في منطقة الخليج مقسّمًا بين ثلاث أطراف: عدوٌّ تقليديٌّ اسمه إيران، وحليفٌ موروثٌ اسمه واشنطن، وشريكٌ للحليف اسمه إسرائيل، وهذا التصور لم يأتِ من فراغ، بل من عقودٍ من التوترات والحروب بالوكالة والأزمات الدبلوماسية المعقدة، ومن سردية غربية غشومة رسّخت فكرة أنّ أمن الخليج مرهون بتحالفاته لا بقدراته الذاتية الداخلية و هذا ما يحفظ الشعوب والدول على الحقيقة، “التحالف المصيري الاضطراري بين الشعوب و الانظمة”، غير أنّ ضربة إسرائيلية مباغتة داخل الدوحة، لم تكن مجرّد حدثٍ عابر في سجلّ النزاعات الإقليمية، بل كانت لحظة انكسار رمزية جعلت العواصم الخليجية كأبو ظبي و المنامة و غيرها تعيد النظر في أبجديات الأمن والسياسة والعلاقات “التطبيعية” مع الكيان، وتتساءل .. هل تعرف تلك الدول الخليجية فعلاً من هو عدوّها الحقيقي؟
إسرائيل التي صُورت طويلاً كحليفٍ استراتيجي لحليف استراتيجي “أمريكا” في مواجهة النفوذ الإيراني، ظهرت فجأة في صورةٍ مختلفة، كيان يتصرف بلا حسابٍ لحساسيات المنطقة، يتجاوز السيادات، ويجرّ خلفه قلقاً أكبر من الطمأنينة، والأسوأ من الفعل ذاته كان الصمت الأمريكي المريب، الذي كشف هشاشة “مظلة الحماية” التي لطالما وُصفت بأنّها ضامنة لاستقرار الخليج، فعندها أدرك صانع القرار الخليجي أنّ الخطر لا يأتي فقط من الخصوم المعلنين، بل ربما من الحلفاء الأمريكان الذين يتحركون بظلالٍ رمادية، وفق مصالحهم وحدها.
إنّ أخطر ما قد تقع فيه الدول بشكلٍ عام هو أن تخلط بين الخصومة السياسية والعداوة الوجودية، فإيران –مهما كانت خصومتها للعرب في الخليج– فإنّها تتحرك في إطارٍ مفهومٍ واضح للعداء، أما إسرائيل فتتحرك من داخل المظلة الامريكية وتمارس نفوذها بمنطق التفوق لا الشراكة، وهنا يكمن الفارق بين خصمٍ تتوقع سلوكه، وكيان ضمن حليف يُفاجئك بخيانته.
فاليوم، أصبح أمام دول الخليج فرصة تاريخية لإعادة بناء فلسفة أمنه واستقراره على أساسٍ جديد، فليس من يشاركك العدوّ يصبح صديقًا، ولا من يبتسم لك يصبح حليفًا، فالقوة ليست في عقد الاتفاقيات، بل في امتلاك الوعي الاستراتيجي الذي يفرّق بين “التحالف التكتيكي” و“الولاء الاستراتيجي”، لقد بدأ لدى الخليجيين شيء من الوعي الجديد الذي يدرك أنّ حماية السيادة لا تأتي من الخارج، بل من الداخل، من وحدة القرار وتماسك الجبهة، والتحالف الداخلي و القدرة على بناء العلاقات دون الارتهان لأحد.
فالحكمة الآن تقتضي ألا نُسلم مقاليد مصيرنا لمن يتعامل معنا كأداةٍ في معادلاته النفعية البراغماتية، وألا نغفل عن حقيقةٍ بسيطة وهي أنّ من يهدّد سيادتك –بصاروخٍ أو بابتسامة– هو عدوّك الحقيقي.
فهل آن الأوان لنا كخليجيين أن نراجع خريطتنا الذهنية القديمة؟ الجواب: نعم. لأنّ العالم تغيّر، والولاءات تبدّلت، والعداوات لم تعد تُقاس بالحدود، بل بميزان الاحترام والمصلحة، ومن يملك الوعي الكافي ليرى الصورة كاملة وشاملة، هو وحده القادر على أن ينجو في زمنٍ تتداخل فيه ملامح الصديق والعدوّ في مرآةٍ واحدة.