مدونات
الكاتب: ظاهر صالح
في ظلّ توقف العدوان، ولو مؤقتاً، تبرز قضايا تبادل الأسرى كمقياسٍ أخلاقي يكشف بوضوح عن التوجهات الفكرية والسياسية لكلٍّ من حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وفصائل المقاومة من جهة، وكيان الاحتلال من جهةٍ أخرى.
لم تكن عمليات الإفراج الأخيرة، ولا سابقاتها، مجرّد ترتيباتٍ إجرائية لإعادة محتجزين، بل كانت نافذةً حادّةً نطلّ منها على التباين العميق بين «أخلاقيات القوة» و«قوة الأخلاق».
فالمشاهد التي بثّت أثناء التسليم تكشف هذا التناقض الجوهري: معاملة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة بكلّ انضباط وإنسانية، مقابل التعامل المهين الذي تعرّض له الأسرى الفلسطينيون المفرج عنهم من سجون الاحتلال.
إنّ تبادل الأسرى في فترات وقف إطلاق النار ليس مجرّد عملية لوجستية، بل مرآة تعكس منظومة القيم والعقلية التكتيكية لكلّ طرفٍ في الصراع. فبينما تسعى المقاومة إلى ترسيخ صورتها كفاعلٍ عقلانيٍّ ذي سيادةٍ ميدانية، يحرص الاحتلال على تصفير الكرامة وتحويل عملية الإفراج إلى أداةٍ عقابيةٍ تُقوّض أيّ نصرٍ معنوي محتمل.
أولاً: صراع السردية البصرية
أظهرت الجولة الأخيرة من المفاوضات أن جوهر المعركة لم يكن فقط في الأسماء والأعداد، بل في التحكم بالمشهد البصري، وهو ما كشف عن اختلافٍ عميق في الأولويات التكتيكية بين الطرفين.
أ. الاحتلال – الهروب من صورة المنتصر
ب. المقاومة – الانضباط كأداة سيادية
ثانيًا: الأخلاق في التعامل مع الأسرى
يظهر التباين الحادّ بين الطرفين في الطريقة التي يُعامَل بها الأسرى، حيث تكشف ممارسات كلّ جانب عن عمق منظومته القيمية.
أ. الاحتلال – سياسة الإذلال الممنهج
في المقابل تمامًا، تعاملت سلطات الاحتلال مع الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم بسياسةٍ ممنهجةٍ للإذلال والعقاب.
ب. المقاومة – اختراق أخلاقي في الوعي العالمي
على النقيض، التزمت المقاومة بضبطٍ ذاتي صارم، وتعاملت مع الأسرى المحتجزين لديها وفق معايير إنسانية طوعية، ما مثّل اختراقًا أخلاقيًّا في الوعي الدولي.
ختامًا
يبقى ملف الأسرى والمعتقلين البوصلة الأدق لقياس مستوى الأخلاق في كلّ منظومة.
في المشهد المتباين بين المقاومة والاحتلال، تتجلّى المفارقة بأوضح صورها:
فالمقاومة تمارس قوةً أخلاقية تُحافظ على الضوابط حتى في معاملة عدوّها، فيما يمارس الاحتلال قوةً قمعية لا ترى في الأسير سوى أداةٍ للانتقام والإذلال.
وهذا التناقض العميق هو الذي يشكّل السردية العالمية للصراع، ويحدّد من يمتلك الرصيد الأخلاقي في ميزان الرأي العام، ومن يظل أسير قوته العمياء التي تفتقر إلى الأخلاق.

