لن أتحدث عن مسألة انتصار غزّة كجغرافيا وجماعة، ولكن سأتحدث عن انتصار الغزاويّ كحالةٍ فرديّة، كيف؟
هذه الجزئية بالتحديد تبدأ من هذه الآية ” إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”، والتغيير هنا يتطلب مجاهدة وانتصاراً على النفس، أي أنّ الفرد في التغيير والانتصار ( أولاً)، وقبل كلّ شيء.
– هل أنا كفردٍ غزّاوي انتصرت؟
سؤال يجب أن أطرحه على نفسي وعلى كلّ شخص يعيش في قطاع غزّة أن يطرحه أيضاً على نفسه، الإجابة هي أنت وحدك من تستطيع أن تعرفها، ويكمن مدى انتصارك الفرديّ في مدى إجابتك على هذه الأسئلة، وخصوصاً أنّه في ذروة هذه الحرب الشرسة، تكشفت لنا عيوب أنفسنا بشكلٍ أكبر ومزاياها أيضاً، بمعنى:
– هل أنت أنانيّ أم تؤثر غيرك على نفسك؟
– هل أنت ضعيف الإيمان أم قويّ؟
– هل أنت بخيل أم كريم؟
– هل أنت راضٍ عن قدر الله أم ساخط عليه؟
– هل أنت متقبّل أم متذمر؟
– هل أنت إيجابي أم سلبي؟
– هل أنت متعفف أم سارق؟
– هل أنت لعّان أم متأدّب في نطقك؟
– هل استطعت أن تخرج من عباءة هذا الانحطاط الخلقي بينما كان الكثيرون يرتدونها بفخر؟
– هل حافظت على مبادئك رغم انهيار منظومة المبادئ عند الكثيرين؟
– هل انتصرت لمكارم الأخلاق حينما ظنّ الناس أنّ الانتصار لها سيجلب لهم الجوع والفقر؟
– هل استطعت أن تفعل شيئاً غير عاديّ في الحرب؟
– هل أنجزت أمراً لم تكن لتنجزه لولاها؟
– هل نضجت أكثر وعرفت حقيقة هذه الدنيا الفانية؟
– هل شهدت على أنّ ما أصابك ما كان ليخطئك وما أخطأك ما كان ليصيبك في كل مرة نجوت بها من شظية صاروخ؟
– هل حمدت الله في الشدة هذه كما تحمده في الرخاء؟
– هل أجّلت معاركك الشخصية مع مخالفيك في الرّأي من أبنا شعبك لكيلا تجعل للعدو سبيلا عليهم عبرك؟
بعد أن تجيب على كلّ هذه الأسئلة، ستعرف إذا كنت حققت انتصارك الفرديّ في هذه الحرب، وستعرف أنّ كلّ يوم نعيشه في هذه الحياة الدنيا هو جهاد وحرب مع النفس، ومع عيوبها، ومع أخلاقها السيئة، وأننا في كل مرّة نواجهها بالتهذيب فنحن ننتصر في هذه الحرب، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ” رجعنا من الجهاد الأكبر إلى الجهاد الأصغر” والجهاد الأكبر يقصد به المعركة مع الأعداء، والجهاد الأصغر يقصد به المعركة مع عيوب النفس.
أرضنا مباركة، ولها ربٌّ يحميها ويحفظها ويحرّرها، أمّا أنا وأنت وكلّ فردٍ من أهل غزّة، علينا فعلاً أن ننتبه على انتصارنا الفرديّ لكيلا يتحوّل إلى هزيمة فردية، فانتصارك ووعيك ونضجك الإيماني وثباتك الراسخ في الشدائد تظنّه عاديّا، لكنه عند الله عظيم، وما يدريك علّه بجهادك هذا لهوى نفسك وعيوبها، ينصر بك الله أمّة، ويرفع البلاء عن شعب، ويحقّق به وعداً كان مفعولا.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبة وسلّم