فكر

التعليم في سوريا: أزمة الجيل الضائع

أكتوبر 2, 2025

التعليم في سوريا: أزمة الجيل الضائع

الكاتب: أسامة محمد

 

كان التعليم في سوريا، قبل اندلاع الصراع عام 2011، أحد الركائز الأساسية التي ساهمت في بناء المجتمع، حيث كانت البلاد تتمتع بنظامٍ تعليمي متطور نسبيًّا، مع معدلات التحاق مرتفعة ومستوى جيد من التعليم الأساسي. ومع ذلك، فإنّ الصراع المستمر منذ أكثر من عقد من الزمان قد ترك أثراً مدمراً على هذا القطاع الحيوي، ممّا أدى إلى ظهور ما يُطلق عليه “أزمة الجيل الضائع”. يواجه النظام التعليمي في سوريا اليوم تحديات هائلة، تشمل نقص المدارس، انقطاع ملايين الأطفال عن التعليم، وصعوبات إعادة بناء هذا القطاع في ظل الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة. في هذا المقال، نستعرض هذه التحديات ونناقش الجهود المبذولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مستقبل التعليم في سوريا.

 

 

تحديات التعليم في سوريا

أولاً، يُعد تدمير البنية التحتية للتعليم أحد أبرز التحديات. وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، تضررت أو دُمرت حوالي ثلث المدارس في سوريا خلال الصراع، إمّا بسبب القصف أو تحويلها إلى مراكز إيواء أو مواقع عسكرية. هذا النقص في المرافق التعليمية جعل مئات الآلاف من الأطفال غير قادرين على الوصول إلى فصول دراسية آمنة. في مناطق مثل إدلب وشمال شرق سوريا، تُعقد الدروس أحياناً في خيام أو مبانٍ مؤقتة غير مؤهلة، ممّا يؤثر على جودة التعليم وسلامة الطلاب.

 

ثانياً، يعاني ملايين الأطفال السوريين من الانقطاع عن التعليم. تشير تقديرات منظمة اليونيسف إلى أنّ أكثر من مليوني طفل في سوريا خارج المدارس، بينما يعاني آخرون من فجوات تعليمية كبيرة بسبب التهجير المتكرر وعدم الاستقرار. العديد من الأسر، التي تعاني من الفقر المدقع، تضطر إلى إشراك أطفالها في العمل بدلاً من إرسالهم إلى المدارس لتأمين لقمة العيش. هذا الواقع يفاقم من مخاطر استغلال الأطفال، بما في ذلك العمل القسري أو التجنيد في الجماعات المسلحة.

 

ثالثاً، هناك أزمة في الكوادر التعليمية. فقد هاجر العديد من المعلمين أو تركوا مهنتهم بسبب انخفاض الأجور، التي لم تعد تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية في ظل التضخم الاقتصادي وانهيار قيمة الليرة السورية. كما أنّ نقص التدريب والدعم النفسي للمعلمين الذين يعملون في ظروف قاسية يؤثر على جودة التعليم المقدم.

 

 

تأثير الأزمة على الجيل الضائع

إنّ مصطلح “الجيل الضائع” ليس مجرد وصف دراماتيكي، بل واقع مأساوي يهدد مستقبل سوريا. فالأطفال الذين حُرموا من التعليم لسنوات طويلة يواجهون صعوبات في اكتساب المهارات الأساسية مثل القراءة والكتابة، ناهيك عن المهارات المتقدمة التي تؤهلهم لسوق العمل. هذه الفجوة التعليمية تُفاقم من التحديات الاجتماعية، مثل البطالة، الفقر، والتطرف، حيث يصبح الشباب أكثر عرضة للاستغلال في بيئة غير مستقرة.

 

علاوة على ذلك، فإنّ الوضع النفسي للأطفال السوريين يتفاقم من هذه الأزمة. العديد من الطلاب يعانون من صدماتٍ نفسية ناتجة عن الحرب، التهجير، وفقدان أفراد الأسرة، ممّا يجعل اندماجهم في بيئة تعليمية منظمة أمراً صعباً. هذا يتطلب برامج دعم نفسي واجتماعي تكون جزءاً من العملية التعليمية، وهو أمر غالباً ما يكون غائباً بسبب نقص الموارد.

 

 

جهود إعادة بناء النظام التعليمي

رغم هذه التحديات، هناك جهود محلية ودولية لإعادة إحياء التعليم في سوريا. على المستوى المحلي، تقوم منظمات المجتمع المدني والمبادرات الشعبية بإنشاء فصول دراسية مؤقتة وتوفير مواد تعليمية بسيطة في المناطق المتضررة. كما أنّ بعض المعلمين المتطوعين يواصلون العمل رغم الظروف الصعبة، مدفوعين بالرغبة في إنقاذ جيل بأكمله من الضياع.

 

على المستوى الدولي، تؤدي منظمات مثل اليونيسف واليونسكو دوراً مهماً في دعم التعليم من خلال برامج إعادة تأهيل المدارس، توزيع الكتب والأدوات المدرسية، وتدريب المعلمين. على سبيل المثال، برنامج “التعليم لا ينتظر” (Education Cannot Wait) يهدف إلى توفير فرص تعليمية للأطفال في مناطق النزاعات، بما في ذلك سوريا. ومع ذلك، فإن هذه الجهود غالباً ما تكون محدودة بسبب نقص التمويل والتحديات الأمنية.

 

كما أنّ هناك مبادرات لدمج التكنولوجيا في التعليم، مثل منصات التعلم عن بُعد، لكن هذه الحلول تواجه عقبات مثل ضعف البنية التحتية للإنترنت وانقطاع الكهرباء في العديد من المناطق. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة ماسة إلى توحيد المناهج الدراسية، حيث تختلف المناهج المستخدمة بين المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، المعارضة، أو الإدارات المحلية في شمال شرق سوريا.

 

 

خطوات نحو المستقبل

لإنقاذ الجيل الضائع وإعادة بناء النظام التعليمي في سوريا، هناك حاجة إلى استراتيجية شاملة تشمل عدة محاور. أولاً، يجب التركيز على إعادة تأهيل المدارس وتوفير بيئات تعليمية آمنة ومجهزة. ثانياً، ينبغي زيادة الاستثمار في تدريب المعلمين وتحسين أوضاعهم المعيشية لضمان استمراريتهم في العمل. ثالثاً، يجب إطلاق برامج مكثفة لتعليم الأطفال الذين انقطعوا عن الدراسة، مع التركيز على التعليم التعويضي لسد الفجوات التعليمية. وأخيراً، ينبغي دمج الدعم النفسي والاجتماعي في المناهج الدراسية لمساعدة الطلاب على التغلب على الصدمات.

 

خاتمة

إنّ أزمة التعليم في سوريا ليست مجرّد تحدٍ لوجستي أو اقتصادي، بل هي تهديد وجودي لمستقبل البلاد. الجيل الضائع ليس مجرّد إحصائية، بل هو جيل يحمل آمال وطموحات سوريا القادمة. إذا لم يتم التصدي لهذه الأزمة بجدية، فإنّ تداعياتها ستستمر لعقود، ممّا يعيق إعادة بناء المجتمع السوري. ومع ذلك، فإن الجهود المحلية والدولية، إذا ما تمّ تنسيقها بشكلٍ صحيح وزُوّدت بالموارد الكافية، يمكن أن تمهد الطريق لإحياء التعليم واستعادة الأمل لملايين الأطفال السوريين. فالتعليم هو السبيل الوحيد لبناء مستقبل يستحقه الشعب السوري، وهو استثمار لا يمكن تأجيله.

شارك

مقالات ذات صلة