سياسة

عودة السودان إلى الاتحاد الأفريقي هل أضحت قريبة؟

أكتوبر 1, 2025

عودة السودان إلى الاتحاد الأفريقي هل أضحت قريبة؟

منذ انقلاب أكتوبر 2021، من قبل تحالف البرهان وحميدتي حينها، يعيش السودان تحت وطأة تعليق مشاركته في أنشطة الاتحاد الأفريقي، إذ جاء القرار كعقابٍ على الاستيلاء غير الدستوري على السلطة، وفق سياسة الاتحاد الصارمة ضد التغييرات غير الدستورية. اليوم، وبينما تتصاعد الجهود الدبلوماسية لإعادة السودان إلى أروقة المنظمة القارية، تتقاطع مصالح إقليمية ودولية وتتفاقم التحديات الداخلية والخارجية، مما يجعل هذه العودة رهاناً معقداً يحتاج إلى رؤية واضحة وحلول شاملة.

تعليق عضوية السودان لم يكن الأول من نوعه، فقد شهدت البلاد تجربة مماثلة في 2019 عقب إسقاط حكم البشير، لكن تشكيل حكومة مدنية انتقالية آنذاك أعاد السودان إلى الاتحاد. اليوم، تعيق الحرب الدائرة في السودان منذ أبريل 2023 أيّ تقدمٍ ملموس نحو استعادة النظام الدستوري المدني، وهو الشرط الأساسي لرفع التعليق. هذا الصراع لم يؤدِ فقط إلى نزوح الملايين وتفاقم الأزمة الإنسانية، بل عمّق الانقسامات السياسية، خاصة مع إعلان ميليشيا الدعم السريع المتمردة تشكيل ما يُسمى “حكومة موازية” في نيالا، وهو ما أدانته المنظمة الأفريقية بشدة.

قامت الدبلوماسية السودانية خلال الأشهر الماضية بخطواتٍ واسعة وسط ضغوط خارجية من أجل عودة السودان لممارسة نشاطه في الاتحاد الأفريقي، وتشهد الساحة الدبلوماسية تحركات مكثفة من الخرطوم لاستعادة مكانتها الأفريقية. جولات مسؤوليها، بمن فيهم رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ونائبه مالك عقار، ومديرا المخابرات والاستخبارات العسكرية، شملت دولاً مثل مصر والجزائر والصومال واوغندا وجنوب السودان، بهدف حشد الدعم لرفع التعليق. هذه الجهود تكللت بنجاحات جزئية، خاصة مع تعيين الدكتور كامل إدريس رئيساً للوزراء في مايو 2025، وهي خطوة لاقت ترحيباً من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، محمود علي يوسف، الذي يرى فيها تقدماً نحو الاستقرار.

لقاء رئيس الوزراء د. كامل إدريس الأربعاء الماضي مع الرئيس الأنغولي جواو لورينسو، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025، عكس هذا الزخم الدبلوماسي. أشاد إدريس بدور أنغولا، التي ترأس مجلس السلام والأمن الأفريقي، في دعم السلام القاري. هذا اللقاء، إلى جانب دعم دول مثل الجزائر ومصر والصومال، يعزز فرص السودان في العودة، خاصة مع وجود اتجاه قوي داخل الاتحاد لرفع التعليق خلال جلسات أديس أبابا المقبلة.

رغم هذا الزخم، تواجه الخرطوم عقبات جمّة. داخليًّا، يشكل استمرار الصراع المسلح عائقاً رئيسيَّا، حيث يصر الاتحاد على وقف إطلاق نار شامل وانتقال مدني كشرط لرفع التعليق. إعلان الدعم السريع عن حكومة موازية يزيد تعقيد المشهد، إذ يعزّز الانقسامات ويثير مخاوف من تكرار السيناريو الليبي، كما حذر رئيس الاتحاد الأفريقي.

خارجيًّا، تمارس دول مثل الإمارات وإسرائيل ضغوطاً لعرقلة عودة السودان، مدفوعة بمصالح إقليمية، بما في ذلك اتهامات سودانية لأبوظبي بدعم الدعم السريع. اتصالات غربية حديثة مع الاتحاد، في سبتمبر 2025، عزّزت هذه الضغوط، مطالبة بالإبقاء على التعليق حتى تحقيق استقرار شامل. في المقابل، يعتمد السودان على تنسيق مخابراتي وأمني مع دول أفريقية، مدعوماً بمصالح مشتركة في مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود.

على الرغم من التحديات التي يواجهها السودان، تظل الفرص قائمة، فالدعم المتزايد من دول مثل الجزائر ومصر، إلى جانب رئاسة أنغولا لمجلس السلام والأمن، يمهد الطريق لعودة محتملة في 2025. لكن تحقيق ذلك يتطلب خطوات ملموسة، خصوصاً تعزيز التنسيق الإقليمي، حيث يجب على السودان مواصلة حشد الدعم من حلفاء مثل مصر والجزائر، مع التركيز على خطط خفض التوتر مع محيطه الإقليمي. كذلك ينبغي للخرطوم الاستفادة من علاقاتها مع دول عربية وإسلامية لموازنة الضغوط الإماراتية والإسرائيلية. والأهم عقد حوار سوداني سوداني بين المدنيين، يرسم مشهداً سياسيًّا راشداً للمستقبل يفكك القنابل والألغام المزروعة في الشارع السياسي، ممّا يعزّز الثقة ويسرّع رفع التعليق.

عودة السودان إلى أنشطة الاتحاد الأفريقي ليست مجرّد إجراءٍ إداري، بل خطوة رمزية تعكس التضامن القاري وتدعم استقرار المنطقة من التدخلات الإقليمية الخبيثة. لكن النجاح يتوقف على قدرة السودان على إطلاق حوار وطني يبعد شبح التدخلات الخارجية ويعيد بناء الدولة التي دمرتها حرب العدوان. إنّ استقرار السودان ليس مصلحة وطنية فحسب، بل ضرورة إقليمية تخدم القارة بأكملها.

*صحفي ومحلل سياسي سوداني

شارك

مقالات ذات صلة