مشاركات سوريا
يحمل السوريون المقيمون في تركيا بطاقة الحماية المؤقتة التي منحتهم وضعاً قانونيًّا يتيح لهم العيش بقدرٍ من الاستقرار النسبي، بعد سنواتٍ من النزوح والاضطراب. هذه البطاقة باتت بمثابة هوية تحفظ لهم حقوقهم الأساسية، وتفتح لهم أبواب التعليم والعلاج والعمل المحدود، وتؤمن لهم شعوراً بقدرٍ من الأمان في بيئة ليست بلدهم الأم.
لكن رغم كل ما تمثله من أهمية، لم تستطع أن تمحُ الحنين العميق الذي يسكن قلوب السوريين تجاه بلادهم. فالوطن حاضر في تفاصيل حياتهم اليومية: في اللغة التي يتحدثونها، في الذاكرة التي لا تفارقهم، وفي صور البيوت والشوارع التي تركوها خلفهم. يتمنون أن يتمكنوا من زيارة سوريا، لرؤية الأهل والديار، دون أن يضطروا للتخلي عن هذه البطاقة التي أصبحت بالنسبة لهم خطّ الدفاع الأول عن حياتهم واستقرارهم.
كثيرٌ من السوريين لا يتحدثون عن “العودة النهائية” بقدر ما يتحدثون عن “الزيارة المؤقتة”. يتطلعون إلى حلّ إنسانيّ يتيح لهم العودة لفترة قصيرة، يلتقون خلالها بعائلاتهم، يزورون مقابر أحبّتهم، يشمّون هواء بلدهم، ثمّ يعودون إلى حياتهم في تركيا وهم مطمئنون إلى أنّ بطاقة الحماية المؤقتة ما زالت صالحة، وأنّهم لم يخسروا الضمان القانوني الذي وفرته لهم.
ورغم الشوق الكبير، فإنّ الغالبية تدرك أنّ الاستقرار في سوريا ما زال صعباً في الوقت الراهن. فالمشهد المعيشي هناك يفرض قيوداً ثقيلة، تجعل العودة النهائية أقرب إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر. ومن أبرز الأسباب التي تعيق استقرارهم:
لهذه الأسباب يتمسك معظم السوريون ببطاقة الحماية المؤقتة، لا لأنّها تمثل رغبة في البقاء بعيداً عن الوطن، بل لأنّها صارت بالنسبة لهم وسيلة لحمايتهم واستقرارهم. البطاقة تسمح لهم بالتحرك بحرية نسبية داخل تركيا، بالحصول على التعليم لأولادهم، وبالوصول إلى الخدمات الصحية، وكلّ ذلك رغم صعوباته يبقى أفضل من الفراغ الذي قد يواجهونه في الداخل.
كمان أنّهم يعيشون معادلة معقّدة: القلب يشتاق للوطن، والعقل يذكّرهم بالواقع القاسي. وبين الطرفين يبقى الأمل حيّاً بأن يأتي يوم تتغير فيه الظروف، ويصبح الوطن قادراً على استقبال أبنائه الذين اضطروا إلى مغادرته. فالسوريون لا يرغبون بالبقاء غرباء إلى الأبد، لكنّهم أيضاً لا يريدون أن يعودوا إلى معاناةٍ قد تقضي على ما تبقى من طاقتهم وصبرهم.
يبقى الحلم الأكبر أن تتوافر الظروف لعودة حقيقيّة، لا زيارة عابرة ولا بقاءً مرهوناً بالبطاقات، بل عودة تحفظ الكرامة وتضمن مقومات الحياة الكريمة. وحتى يحين ذلك اليوم، سيبقى السوريون متمسكين بالحماية المؤقتة كضرورة، فيما قلوبهم مشتعلة بالحنين إلى أرض لم تغادرهم يوماً، رغم كل المسافات.