فكر

سوريا.. الوعي الاجتماعي ومحاربة الفساد بين الماضي والحاضر

سبتمبر 23, 2025

سوريا.. الوعي الاجتماعي ومحاربة الفساد بين الماضي والحاضر

الكاتب: عبد المنعم غريبي

 

عبد المنعم غريبي

ورث السوريون بعد سقوط النظام السوري السابق، مؤسساتٍ حكوميّة مثقلة بالفساد الإداري والاقتصادي، شكّل هذا الفساد عبر مشغليه منظومة نهب وحرمان وإقصاء للسوريين الأكفاء طيلة عقود. كما كوّنَ جزءاً من البنية السياسيّة والاقتصاديّة في ظل حكم نظام الأسد، وامتد ليصبح ثقافة مفروضة على المجتمع.
تجلّى في شكل محسوبيات ورشاوى وغياب للمساءلة، ما ساهم في إضعاف الوعي الاجتماعي وإنتاج حالة من القبول أو الصمت تجاه هذه الانتهاكات.
ومع سقوط النظام، وجد السوريون أنفسهم أمام مرحلة جديدة تفرض عليهم إعادة النظر في العلاقة بين المجتمع والسلطة، وبين الفرد ومسؤولياته تجاه الشفافية والنزاهة.

قبل سقوط النظام
طيلة عقود من حكم نظام الأسد، تحوّل الفساد من سلوكٍ فردي إلى ممارسةٍ منظّمة تدار من رأس السلطة حتى أبسط مؤسسات الدولة، فقد سيطرت منظومات النفوذ والمحسوبيات على مفاصل الحياة العامة، ابتداءً من الوظائف الحكومية والتعيينات، وصولاً إلى التعليم، الصحة، والقضاء. وغدا الوصول إلى أبسط الحقوق مرهوناً بالرشاوى أو بالعلاقات مع المسؤولين.

انعكس هذا الواقع مباشرة على الوعي الاجتماعي للسوريين؛ إذ اعتاد كثيرون على التعامل مع الفساد كأمر واقع لا يمكن تغييره.
البعض لجأ إلى التأقلم مع هذه الممارسات بوصفها وسيلة لتسيير أمور الحياة اليومية، بينما اختار آخرون الصمت خوفاً من الملاحقة الأمنيّة أو خسارة الامتيازات.
أمّا عن محاولات رفض الفساد أو مقاومته فكانت محدودة جداً، وغالباً ما جرى قمعها بقوة، ما ساعد في ترسيخ عقليّة جماعيّة ترى الفساد جزءاً طبيعياً من النظام الاجتماعي والسياسي.

ولم يقتصر الأمر على الجانب المادي أو الإداري، بل أثر على منظومة القيم داخل المجتمع، حيث غدت معايير النجاح مرتبطة بالقدرة على الاستفادة من شبكة الفساد بدلاً من الالتزام بالكفاءة أو النزاهة. وهكذا، تراجع الوعي الاجتماعي بأهمية الشفافية والمساءلة، مقابل انتشار ثقافة الخضوع والتكيّف.

بعد سقوط النظام
مع انهيار مؤسسات الدولة وتفكك السلطة المركزية، وجد السوريون أنفسهم أمام واقع اجتماعي وسياسي جديد، حيث أتاح غياب القبضة الأمنية للنظام مساحة أوسع للنقاش العلني حول الفساد.

بدأ الناس توثيق حالات الفساد العلنية، والمطالبة بمحاسبة المسؤولين، ووضع حد للتجاوزات من قبل الموظفين العاملين في الدوائر الحكومية، مع رفض دفع الرشاوى مقابل الخدمات الحكومية، في محاولة لترسيخ نهج جديد يقوم على الشفافية والمساءلة.
ورغم هذه التحديات، يمكن القول إنّ الوعي الاجتماعي تجاه الفساد بدأ يشهد تحولاً تدريجياً بعد سقوط النظام السوري السابق، فقد أصبح من الممكن الحديث عنه بجرأة أكبر، وظهرت محاولات لتعزيز ثقافة المساءلة عبر الإعلام المحلي ومنظمات المجتمع المدني، غير أن هذا الوعي ما يزال هشاً، ويحتاج إلى دعم مؤسساتي وقانوني حتى يتحوّل إلى ممارسةٍ اجتماعية راسخة.
الإجراءات الحكومية
أكدت الحكومة السورية الجديدة أنَّ محاربة الفساد تُعد أولوية بالنسبة لها، لضمان شفافية ومساءلة مؤسسات الدولة ومكافحة الفساد، وفي إطار هذا، أطلقت الحكومة السورية عدة مبادرات، شملت إعادة هيكلة الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بقيادة رئيس جديد، وأطلقت منصة إلكترونية للإبلاغ عن الفساد تسمح للمواطنين بتقديم الشكاوى مع الأدلة مباشرة للجهات المختصة.

 بالإضافة إلى تشكيل لجنة عليا للإشراف على الاستراتيجية الوطنية للرقابة لتنسيق جهود مكافحة الفساد بين مختلف الجهات الرقابية، كما جرى افتتاح دائرة متخصصة لاستقبال الشكاوى في العاصمة دمشق، وسط وجود خطط لتوسيع هذه الدائرة إلى أربع محافظات أخرى، تشمل حمص، حلب، طرطوس، واللاذقية.

التحديات والعوائق.
رغم ظهور مؤشرات على ارتفاع مستوى الوعي الاجتماعي بعد سقوط النظام، إلا أنّ الطريق نحو محاربة الفساد بشكل فعليّ ما يزال محفوفاً بعقباتٍ كبيرة. أبرز هذه التحديات يتمثل في استمرار غياب دور فعّال لمؤسسات الدولة الفاعلة والقوانين الناظمة للحياة العامة، حيث يؤدي ضعف الأجهزة الرقابية والتنظيميّة إلى استمرار ممارسات الفساد والمحسوبية من دون رادع حقيقي. هذا الواقع يجعل من الصعب تطبيق إجراءات شفافة أو محاسبة المسؤولين على أفعالهم، ويخلق بيئة تمكّن الفساد من الاستمرار.

إضافة إلى ذلك، أدت ظروف الحرب الطويلة إلى إنهاك المجتمع السوري مادياً ومعنوياً. فالناس الذين فقدوا منازلهم أو مصادر دخلهم، انشغلوا بالبحث عن الأمن والغذاء والدواء، ما جعلهم أقل قدرة على مقاومة الفساد أو المطالبة بالشفافية. كما جعلت هذه الظروف محاربة الفساد مسألة ثانوية بالنسبة لكثير من الناس مقارنة مع سعيهم للبقاء. الأمر الذي من شأنه أن يضعف الجهود الرامية إلى بناء وعي اجتماعي جديد.

يبقى الفساد أحد أبرز التحديات التي واجهت السوريين، سواء قبل سقوط النظام أو بعده. ومع ذلك، أظهرت المرحلة الجديدة وعياً متزايداً بأهمية الشفافية والمساءلة، وظهرت جهود عبر الإعلام والمجتمع المدني لتعزيز النزاهة. يبقى الطريق طويلاً، لكن الإرادة المجتمعية والدعم المؤسساتي يمكن أن يرسما مستقبلاً أكثر نزاهة ومساءلة في سوريا، وهنا يطرح السؤال نفسه: هل ينجح السوريون في عهدهم الجديد في القضاء على الفساد حقاً؟

شارك

مقالات ذات صلة