مجتمع

العودة إلى المدارس في سوريا: حمص أنموذجاً

سبتمبر 22, 2025

العودة إلى المدارس في سوريا: حمص أنموذجاً

الكاتبة: هناء عبد الحكيم قنطاري

 

التعليم أساس نهضة الأمم، ومهد حضارتها، والعلم مؤشرٌ على تقدُّم الأمم ورقيها، فالأمم التي ترتفع فيها نسبة المتعلمين، والتي تولي أهميةً كبرى لهذا القطاع، تسمو في جميع المجالات، وخاصةً إن كان العلم مقترناً بالحث على العادات الجيدة، والأخلاق الرفيعة، ولا يمكن أن ننكر أهمية الاهتمام بالناشئة منذ صغرهم لأنَّ الأمم تعوِّل عليهم لمستقبلٍ مشرق، تطوى فيه جراح الماضي، وسوريا ليست استثناءً.

فالشباب السوري أثبت تفوقه في البيئات التي قدمت له الرعاية، وأثبت قدرته على التحمل وقوة الإرادة واستطاع جزءٌ كبير من الشباب السوري التخرج من الجامعات السوريَّة حتى في أعتى الظروف، فكيف سيكون الأمر لو تحسَّن الواقع التعليمي في المستقبل القريب؟

تحدياتٌ طغت على المشهد وتجلت في معظم الأراضي السوريَّة

إن تحدثنا بلغة الأرقام والإحصائيات التي أُجريَت في الفترة الأخيرة، نعلم أن أعداد الطلاب المتسربين في سوريا قاربت المليونين ونصف؛ وذلك لعدم الاستقرار العائلي المتمثل بفقدان أحد الوالدين أو كليهما، أو لعدم التسجيل في النفوس وعدم وجود الأوراق الثبوتية، أو عدم وجود المنزل، والسكن في المخيمات، أو بسبب الفقر الشديد، بينما بلغت أعداد الطلاب المسجلين في المدارس ما يقرب من 4 ملايين ونصف، وهذا العدد سيتضاعف هذا العام بسبب التوجُّه إلى تسجيل الولادات، وعودة المهجرين، والمغتربين وإخلاء المخيمات وتوطين سكانها، لكن السؤال: هل المنشآت التعليمية تستوعب زيادة أعداد الطلاب وخاصة مع تدمير النظام السابق آلاف المدارس، وتحويل البعض منها إلى ثكناتٍ عسكريَّة؟

رغم النقلة النوعية التي شهدتها سوريا في منتصف العام الدراسي الماضي، استطاعت الإدارة الجديدة المضي قدماً في إجراء امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية، وهذا يثبت العمل الجاد والجهود الجبارة التي يبذلها العاملون في القطاع التربوي، ولكن بسبب إعطاء الأولية لإتمام العملية التعليمية في العام الماضي، لم تستطع الوزارة توحيد المناهج السوريَّة، وما زال ملف المعلمين مفتوحاً وهو التحدي الأكبر حالياً.

القرارات التربوية الجديدة بارقة أمل.

شهد القطاع التعليمي عدداً من القرارات المستعجلة والإجراءات الضرورية، كإعادة المدرسين الّذين فصلهم النظام السابق تعسفيّاً، وزيادة الرواتب الشهرية للمدرسين؛ هذه الزيادة كانت نفساً منعشاً للمعلمين بعد سنواتٍ من التقليل من جهودهم وعدم إيفائهم حقوقهم خاصة مع استمرار الوعود بزيادات أخرى قريبة، ومن القرارات الجيدة والتي من الممكن أن تكون خطوة أولى نحو تحسين طريقة الدراسة في سوريا، التخفيف من المواد العلمية لطلاب الثانوية الفرع الأدبي، والعكس بالنسبة للطلاب من الفرع العلمي، وإلغاء مادة القومية، وحذف الحصة السابعة من البرنامج الأسبوعي.

واستجابةً للمبادرة الوطنية التي أطلقتها وزارة التربية “أعيدوا لي مدرستي” شهدت العديد من المدارس في سوريا عمليات ترميم وإعادة تأهيل، ورغم ذلك ما زالت العديد من المدارس في المحافظات السورية تنتظر دورها.

مدرسو العقود.

لعلَّ ملف مدرسي العقود ما زال من الملفات الشائكة، والتي تحتاج إلى تفكير وتأنٍّ وحنكة من أجل العمل على الوصول إلى صيغة ترضي هؤلاء المدرسين.

صرّح عدد من مدرسي العقود عن مخاوفهم من مستقبلهم المجهول، وخاصة بسبب تأخر تسليم الرواتب لهم، واقتراب مدة نهاية عقودهم.

قالت إحدى المدرسات أنَّها عملت بجد منذ بداية عقدها في عام 2021 وأنَّها تحملت أعباء المواصلات طيلة تلك السنوات على أملٍ أن يتم تثبيتها، شأنها شأن معظم مدرسي العقود الَّذين وقعوا على أساس الالتزام بالشواغر التي عيّنوا فيه حتى إن كانت بعيدة عن مكان سكنهم، يرى هؤلاء المدرسون أنَّهم يحملون شهادات، ويمتلكون خبرات، ومؤهلات وقدرات، فما الذي ينقصهم ليكون مصيرهم مجهولاً ويعيشوا على أعصابهم؟

ويرون أن المدارس لا تستطيع الاستغناء عنهم، وأنّهم ليسوا فائضاً، لذا يطالبون وزارة التربية بتثبيتهم لضمان الاستقرار الوظيفي، ومن الضروري الإسراع في صرف رواتبهم المتأخرة.

يُذكر أنّ وزير التربية والتعليم محمد تركو أصدر قراراً بتجديد العقود حتى نهاية العام على أن يتم خلال هذه الفترة القيام بعملية التقييم العلمي والعملي ودراسة الحاجة الفعلية

المدارس في حمص.

عموماً تبدو المدارس في المدينة أفضل حالاً، من المدارس في الريف الحمصي من حيث الجاهزية، والقدرة الاستيعابية، وأعداد المدرسين، ذكرت إحدى المعلمات من ثانوية غرناطة للإناث أنّ الكادر التعليمي في المدرسة معظمه من داخل الملاك، وأن الصفوف تكفي للطالبات ولم تكن عودة بعض المغتربات إلى المدرسة عائقاً، كما أنَّهم جهّزوا مصلى في المدرسة.

وتحدثت إحدى المعلمات من ثانوية محسن عباس للذكور عن طبائع الطلاب المختلفة بسبب مرحلتهم العمريَّة الحساسة، ومع ذلك لم تكن هذه مشكلة وما زالت المدرسة تخرج الكثير من الطلاب الأوائل في كل عام، كما أشارت إلى الكادر التعليمي والإداري المتميز في المدرسة، ومن العوائق التي ذكرتها زيادة عدد الطلاب في الصف الواحد إذ من الممكن أن يبلغ عددهم 55 طالباً، في المقابل تشهد بعض المدارس التي صدر قرار فصل الذكور عن الإناث فيها بعض التخبط، بسبب إعلان القرار قبل أسبوع واحد تقريباً من بدء الدوام الإداري للمدارس في سوريا.

ونحن هنا نتحدث عن بلدتي الغنطو وتيرمعلة، فكان القرار تجميع الإناث من المرحلتين الإعدادية والثانوية في مدرسة واحدة في تيرمعلة، وكذلك في الغنطو، على أن يرسل ذكور تيرمعلة من المرحلتين الإعدادية والثانوية إلى ثانوية جاسم الصالح التابعة لبلدة الغنطو.

ومع هذا القرار ما زالت الأمور ضبابية حول تقبل الأهالي إرسال أبنائهم إلى مدرسة بعيدة نسبياً، وكذلك حول تغير الكادر والتعيينات الجديدة؛ إذ أبدى بعض المدرسين تخوفهم من فعالية تطبيق هذا القرار.

ومن التحديات الأخرى التي أشار إليها إداريون من مدارس حمص، كثرة الإحصائيات التي تطلبها مديرية التربية منهم، وخاصة أنَّ هذه الإحصائيات تكون متشابهة وقد عملوا عليها سابقاً، ولكنهم يطلبونها مجدّداً مع تغيير حقل أو حقلين في البرنامج، وذكروا أنّ القرارات التي تتعلّق بالطلاب المتسرّبين من مرحلة التعليم الأساسي باتت ترهقهم لأنَّها تتجدد باستمرارٍ وليست ثابتة، كما طالب هؤلاء الإداريون بأن تشملهم طبيعة العمل، لأنَّهم يعملون دون توقف في أيام الدوام وفي العطلة الصيفية.

عملت مديرية التربية في حمص بالتعاون مع المجتمع المحلي والمنظمات المدنية على ترميم وصيانة العديد من المدارس منها، مدرسة عمار بن ياسر ومدرسة الشهيد حمزة محمد حمزة، ومدرسة عبد الحميد الزهراوي، ومدرسة يحيى الغنطاوي في بابا عمرو، وأم سلمة المحدثة في الخالدية، وذات الصواري في تلبيسة، وغيرها

آمال وأمنيات.

تبقى الأمنيات معلّقة على الاستمرار في تحسين جودة التعليم في سوريا، وهذا التحسين لا يكون إلا بتضافر جميع الجهود بداية من الأسرة النواة الأولى وصولاً إلى صنَّاع القرار.

ولا يكاد ينتهي عام دراسي بما يحمله من صعاب وعوائق، حتى يبدأ عام آخر يشبهه، لكن ما نشهده من جهود حثيثة وإرادة لا تلين من الجانبين التربوي والأسري في سبيل النهضة بأبناء سوريا ليتبوؤوا أعلى المنازل يبشر بالخير، وكما يقال أول الغيث قطرة، وعلى المجتمع الدولي أن يقدم يد العون قدر الإمكان لأن أساس البناء وأمل سوريا الجديدة هو التعليم.

شارك

مقالات ذات صلة