تأملات

بسببِ الطَّاعةِ لا بسببِ الذُّنوب!

سبتمبر 19, 2025

بسببِ الطَّاعةِ لا بسببِ الذُّنوب!

من المفاهيمِ السَّاذجة والسَّطحيَّة للإيمانِ بالله تعالى، إعتقاد أنَّ حياة المؤمنِ في هذه الدُّنيا ستكون رحلةً ورديَّةً إذا هو التزمَ بالطاعاتِ واجتنبَ المعاصي!

فلن يُردَّ له دُعاء، ولن يمرضَ، ولن يُضيَّق عليه في رزقه، ولن يُبتلى بالظالمين!

والحقيقة أنَّ الدُّنيا دارُ امتحانٍ لا دارَ جزاء، ودارُ بِذارٍ لا دارَ حصاد، ودارُ سعي لا دارَ بُلوغ!

وإنَّ سعادة المؤمن في الدُّنيا نابعة من تسليمه أنَّ كلَّ ما يقضيه الله خير وإن غابتْ عنه الحكمة!

ونابعة كذلك من تسليمه أنَّ قدر الله ماضٍ، لا يرفعه سخطٌ ولا رضى، ولكنَّ السَّاخط موزور، والرَّاضي مأجور!

ولا يُنكرُ عاقلٌ له دراية بسُننِ اللهِ في الكون، أنَّ للطاعات أثرها في تيسيير الأمور، وللذُّنوب أثرها في تعقيدها!

ولكن ربط كلّ امتحان الدُّنيا بهذه الجزئيَّة هو تسطيح لمفهوم الإيمان!

بل إنَّ ما تُؤكِّده مئات الشَّواهد والنُّصوص أنَّ أكثر الأذى الذي يصيب المؤمنين هو بسبب أنّهم على الحقِّ لا بسبب أنّهم على الباطل!

أي بسبب أنّهم على طاعةٍ لا على معصية!

حين ألقى فرعون أولاد الماشطة في الزَّيت المغلي واحداً بعد واحدٍ، فلأنَّها كانت على طاعةٍ لا على معصية! وحين ألقاها بعدهم في الزَّيت فإنَّه فعل ذلكَ لأنَّها رفضت أن تُساومَ على عقيدتها بأولادها!

اللهُ تعالى لم يُسلِّط عليها هذا الظالم بسبب ذنوبها، ولكنَّه صراع الحقِّ والباطل!

وحين أشعلَ الملكُ الظالم نار الأخدود وألقى فيه المؤمنين حتى أفناهم عن آخرهم، فلم يكُنْ هذا بسبب ذنوبهم وإنّما بسبب إيمانهم!

قبل سويعاتٍ من مواجهة هذا الظالم مع الغلام، كانت هذه الرَّعية آمنة مطمئنة وهي على الشِّرك، أمَّا نار الأخدود فقد التهمت أجسادهم لأنّهم صاروا على الإيمان!

اللهُ تعالى لم يُسلِّطْ عليهم هذا الظالم بسبب ذنوبهم، ولكنَّه صراع الحقِّ والباطل!

وحين جاء السَّحرةُ يوم الزِّينة لنزالِ موسى عليه السَّلام بعزَّة فرعون، كانوا معززين مُكرَّمين عنده، وقد وعدهم بالأُعطيات والمكرُمات والتَّقريب! هذا وهم على الشِّرك!

ولكنَّه قطعَ أيديهم وأرجلهم من خلافٍ، وصلبهم في جذوع النَّخل، لأنهم آمنوا!

اللهُ تعالى لم يُسلِّطْ عليهم هذا الظالم بسبب ذنوبهم، ولكنَّه صراع الحقِّ والباطل!

وحين نُشِرَ زكريا عليه السَّلام بالمنشار، فإنَّه لم يُنشر بسبب ذنوبه، بل بسبب طاعته، إنَّه ببساطة صراعُ الحقِّ والباطل!

وحين قُطعَ رأسُ السَّيد الحصور يحيى عليه السَّلام، وقُدِّمَ على طبقٍ مهراً لامرأةٍ بغيٍّ، فإنَّ رأسه لم يُقطع بسبب ذنوبه، ولكن لأنّه قال للظالم: لا!

إنَّه ببساطة صراعُ الحقِّ والباطل!

وحين أوتدتْ قريشٌ لسُميَّة في الأرض، فلم تفعل هذا لذنوب سُميَّة، بل لإيمانها!

وحين طعنها أبو جهلٍ بالحربة وهي مُقيَّدة إلى الأرض، فلم يطعنها بسبب ذنوبها، وإنّما بسبب إيمانها، لقد بصقتْ في وجهه حين ساومها عن عقيدتها!

إنَّه ببساطة صراعُ الحقِّ والباطل!

وحين قُتلَ ياسرُ شنقاً أمام عيني عمارٍ، لم يكن هذا بسبب ذنوب ياسرٍ ولا بسبب ذنوب عمَّار!

ولكن من سُنن الله في الكون أن يُبتلى المؤمن على إيمانه بالكافر على كفره!

إنَّه ببساطة صراعُ الحقِّ والباطل!

وحين أُخرجَ الصَّحابة من ديارهم إلى أرض الغرباء في الحبشة، فلم تُخرجهم قريش بسبب ذنوبهم، وإنما بسبب رسوخ عقيدتهم!

لقد بلغوا من الإيمان منزلةً جعلتهم يُقدِّمون دينهم على وطنهم وقبيلتهم وأهاليهم!

إنَّه ببساطة صراعُ الحقِّ والباطل!

ومما رواه البخاريُّ من حديث خَبَّابِ بْن الأَرتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رسولِ اللَّهِ ﷺ وَهُو مُتَوسِّدٌ بُردةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبةِ، فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا؟

فَقَالَ: قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ  الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فيجْعلُ فِيهَا، ثمَّ يُؤْتِى بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجعلُ نصْفَيْن، ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ، واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لاَ يخافُ إِلاَّ اللهَ والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ!

لاحظ دقَّة التعبير النَّبوي: مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِه!

أي أنَّ هؤلاء المؤمنين قد قُتلوا أبشع قتلة لأنهم تمسَّكوا بدينهم، ولو ارتدَّ أحدهم عن دينه لرفعوا عنه القتل!

إنَّه ببساطة صراعُ الحقِّ والباطل!

حين رُميَ حمزةُ بن عبد المطلب بالحربة، فقد رُميَ بها لأنّه كان مؤمناً!

وحين بُقِرَ بطنه، ومُثِّلَ به، فلأنَّ قتله لم يشفِ غليلهم، لقد أذاقهم الويل يوم بدر!

إنَّه ببساطة صراعُ الحقِّ والباطل!

الوسيمُ القسيم مصعبُ بن عُميرٍ، قُطعَ ذراعاه يوم أُحدٍ بسبب إيمانه لا بسبب ذنوبه!

حين كان على الشِّرك كان أكثر فتىً في قريشٍ دلالاً!

ولكنَّه حين آمن، حتى أُمّه انقلبتْ عليه!

إنَّه ببساطة صراعُ الحقِّ والباطل!

سبب جمع القرآن الكريم أنَّ القتلَ استحرَّ بالقُرَّاءِ يوم اليمامة، فخشيَ المسلمون أن يضيعَ القرآن باستشهاد الحُفَّاظ الذين يحملونه في صدورهم!

حفظةٌ ومجاهدون!

قُتلوا لأنَّهم حملوا لواء الإسلام، وخاضوا ميادين الرِّجال! لم يُقتلوا بسبب ذنوبهم!

إنَّه ببساطة صراعُ الحقِّ والباطل!

ثم لنفترض جدلاً أنَّ كافراً فاجراً تسلَّطَ على مسلمٍ عاصٍ، من قال إنَّه يجوز للمسلمين المؤمنين الذين لا ذنوب لهم أن يجلسوا ويتفرَّجوا عليه وهو يُقتل؟!

شارك

مقالات ذات صلة