تأملات
لقد حطَّ أمامي طائر جميل بمنقار ذهبيّ كأنه قبس من ضوء الشمس ويلف عينيه لون من جنس لون منقاره له ريش بني خالطه خطٌّ أبيض في طرفي جناحه، ظل يرفرف أمامي من وراء الستارة، كنت أتحدث مع صديقتي عبر الهاتف، فقلت لها هنالك طائر جميل فإذ بها تقول لي ربّما هو يامن !
اقتربت أكثر ونظرت له وحينما شاهدني أنظر له بدأ يغني بصوت عذب جدّاً. شعرت بأنه يغنّي لي ، ثم طار بعيداً !وحين طار أحسستُ بخطّاف صنارة خطف قلبي بسرعة بعيداً، فسرى ألم على سائر صدري.
في منطقةٍ أكلت الحرب سكانها وأبنيتها وقد ازدحمت بالموت والخيام، كيف يحط طائرٌ بكل هذا الجمال على نافذتي،من أين جاء؟ وألحق بلهفة عظيمة سؤالا في أعماقي: هل هو ابني يامن؟
من ذلك اليوم أجلس كل يوم قبالة النافذة أنتظره ،كان انتظارا متعباً يا صديقتي، لكنّه مليءٌ باللهفة والشوق، لم يعد صوت العصافير أمراً اعتيادياً بالنسبة لي، يحاول أن يقتنص قلبي برهافته أي صوت عصفور بين كل هذه الانفجارات المتوالية والقصف المستمر.
أحاول أن أرصد الحياة عبرها، ومن ناحيةٍ أخرى أبحث عن أُنسٍ يشبه عصافيري التي تحلق في الجنة. هل تزورنا طيور الجنة وتغنّي لنا ؟
يفتح باب الانتظار أبواباً أخرى كثيرة في تراجيديا حياتي، انتظار تلاوة اسمي لقراءة كلمة الخريجين في حفل تخرجي من قسم اللغة العربية، ثم انتظاري لبدء جلسة مناقشتي للماجستير، وانتظاري الأخير حين منحتني اللجنة درجة الدكتوراه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف.
انتظاري لرؤية اسمي ضمن قائمة المنافسين في الموسم السابع في مسابقة أمير الشعراء، وانتظاري لتكريمي في حفل البابطين، وانتظار كشوفات السفر لرؤية اسمي كلّما سافرت في هذه المدينة المحاصرة، انتظار التأشيرة حتى آخر دقيقة وانتظاري لحواجز التفتيش الطويلة على المعدية وبير العبد في العريش وانتظاري لصديقتي التي وعدتني بالاتصال لكنها لم تفعل.
انتظاري لأن يزداد طول كرمل الصغيرة ولأن ينجح كنان في التخلص من مشكلة نطق حرف الراء، وانتظار يامن ليقول لي بين كل دقيقة وأخرى أحبك وانتظاري لدهشة أوركيدا المفعمة بالحياة وهي تنظر إلى التفاصيل بشغف.
الانتظار الذي أخذ شكله يتحول في الحرب.. من انتظار صديقتي في مطعم على شاطئ البحر إلى انتظار انتهاء الحرب لأتمكن من زيارة قبرها..
من انتظار دوري لشرب فنجان قهوة رائق في مقهى مزاج إلى انتظار دوري في الحصول على الماء الصالح للشرب..
من انتظار المصعد ليهبط لي إلى انتظار معجزة ليعود من الجديد للعمل..
من انتظار المصابيح لليل لتضيء ، إلى انتظارنا للمصابيح التي لم تضئ منذ 244 يوماً..
يا إلهي! هل تعرفين؟ أصبح لدي أمنية بأن أشاهد مصابيح السقف البيضاء مضيئةً دفعة واحدة، إنني أنتظر لحظة أمر بها بأصابعي فوق الأزرار فأحصل بتلك الكبسة السحرية على النور..
ومن انتظاري للحياة إلى جلوس الحياة بكليتها جانبي تنتظر برفقتي ذلك الطائر البديع والذي أسميته يامن!