فكر

التضامن مع القانون: كيف وقف السوريون إلى جانب الشرطي

سبتمبر 16, 2025

التضامن مع القانون: كيف وقف السوريون إلى جانب الشرطي

في إحدى ساحات دمشق، شهد الشارع السوريّ حادثةً مثيرة للجدل حين أقدم شرطي مرور على محاولة تنظيم مخالفة سير بشكلٍ اعتياديّ، فوجد نفسه أمام ردّ فعل عدائيّ من إحدى السيدات، لم يقتصر على الاعتراض على المخالفة، بل انزلق إلى خطابٍ طائفيّ ومذهبيّ ينال من شخصه ومن انتمائه ولهجته.

 

هذه الحادثة، رغم أنّها قد تبدو مجرّد خلافٍ يوميّ حول مخالفة مروريّة، إلا أنّها تكشف أبعادًا عميقة تتعلّق بحقوق الإنسان، بواجب احترام الموظف العام، وبحدود حريّة التعبير حين تتحوّل إلى خطاب كراهية يهدّد السلم الأهلي.

 

 

توصيف الحادثة في بعدها القانوني

الشرطي كان يؤدي وظيفته الطبيعية في ضبط النظام المروريّ، وهي وظيفة تمثّل تطبيقًا مباشرًا لسلطة الدولة والقانون. أيّ اعتداءٍ عليه، لفظيًّا كان أم جسديًّا، لا يُعتبر مجرّد خلافٍ شخصيّ، بل اعتداء على هيبة القانون ذاته.

 

الخطورة الأكبر في الحادثة أنّ الاعتراض لم يكن محصورًا في إطارٍ قانونيّ (كأن تشكّك السيدة بحق الشرطي في المخالفة أو بطريقته في المعاملة)، بل انحدر إلى مستوى الطعن بانتمائه ولهجته، أي إلى تمييزٍ قائم على أساسٍ طائفيّ أو مناطقيّ. وهنا يتحول السلوك إلى تهديدٍ للسلم الأهلي وانتهاكٍ واضح لمبدأ المساواة بين المواطنين.

 

التضامن الشعبي مع الشرطي

ما يلفت الانتباه في هذه الواقعة هو موجة التضامن الواسعة مع الشرطي. كثير من السوريين أبدوا احترامهم لرباطة جأشه وهدوئه رغم الاستفزاز، واعتبروا أنّه مثّل النموذج الذي يجب أن يكون عليه موظف الدولة: ملتزمًا بالقانون، غير منجر إلى الاستفزاز، وغير متحيز على أساسٍ اجتماعيّ أو دينيّ.

هذا التضامن لا يمكن قراءته فقط بوصفه موقفًا أخلاقيًّا عاطفيًّا، بل له أبعاد اجتماعيّة وقانونيّة عميقة. فهو يعيد الاعتبار لفكرة القانون في مجتمع اعتاد على تغليب النفوذ أو العلاقات الشخصيّة على النصوص القانونيّ، حيث بدا واضحًا أنّ الناس يريدون موظفًا يطبّق القانون بعدالةٍ على الجميع دون محاباة. كما يعكس رفض التمييز الطائفيّ والمناطقي، فحين وقف الناس إلى جانب الشرطي لم يكن ذلك لأنهّ ينتمي إلى طائفةٍ معينة، بل لأنّه كان في موقع إنفاذ القانون، وهذه رسالة قوية بأن السوريين، رغم اختلافاتهم، لا يقبلون أن يُهان شخص أو يُحقَّر بسبب لهجته أو انتمائه. بالإضافة إلى ذلك، يجسّد التضامن الشعبي فكرة المواطنة، إذ يعكس توقاً عاماً إلى دولة تعامل جميع مواطنيها على قدم المساواة، حيث لا يتفوّق فرد على آخر بفضل طائفته أو مظهره أو مكانته الاجتماعية.

 

 

حقوق الإنسان وحدود حرية التعبير

حرية التعبير حقّ أساسيّ مكفول في القوانين الوطنية والمواثيق الدوليّة، لكنّها ليست مطلقة، فهي تتوقف عند حدود خطاب الكراهية والتحريض الطائفيّ الذي يقوّض مبدأ المساواة ويهدّد السلم الأهلي.

 

الاعتداء اللفظي على الشرطي، حين يتضمن ازدراءً لطائفة أو لهجة أو انتماء اجتماعيّ، يدخل في صلب ما يُعرف بخطاب الكراهية، وهو خطاب يجرّمه القانون في كثير من الدول، لأنّه يفتح الباب أمام نزاعات مجتمعية خطيرة.

 

 

حماية الموظف العام واجب قانوني وأخلاقي

الموظف العام – وفي مقدمته الشرطي – لا يمثّل نفسه فقط، بل يمثّل سلطة الدولة وهيبتها. ومن هنا فإنّ الاعتداء عليه هو انتقاص من حقّ المجتمع في وجود سلطة قادرة على تنظيم الحياة العامة.

 

حماية الشرطي من الاعتداءات، سواء جاءت من أصحاب نفوذ أو من أشخاص عاديين، ليست فقط واجبًا قانونيًّا، بل رسالة أساسيّة لفرض مبدأ المساواة أمام القانون.

 

 

الدلالات المجتمعية للحادثة

  • الشرطي رمز للنزاهة: كثيرون رأوا في موقف الشرطي صورة نادرة لموظف يؤدي واجبه ببرود أعصاب وحيادية.
  • رفض الامتيازات غير المشروعة: التعاطف الشعبيّ عكس رغبة قوية في محاسبة أي شخص يحاول التملّص من القانون بذريعة انتمائه أو مكانته.
  • رسالة عن الوحدة الوطنية: حين وقف الناس إلى جانب الشرطي، لم يكن ذلك اصطفافًا طائفيًّا أو مناطقيًّا، بل اصطفافًا مع القانون ضدّ التمييز، ومع السلم الأهلي ضدّ الانقسام.

 

ختاماً، حادثة الاعتداء على شرطي المرور في دمشق لم تكن مجرّد مشادة عابرة، بل مرآة تعكس صراعًا عميقًا بين قيمتين: قيمة التمييز والكراهية من جهة، وقيمة القانون والمواطنة المتساوية من جهة أخرى.

 

إنّ التضامن الشعبيّ الواسع مع الشرطي يثبت أنّ السوريين، رغم ما عانوه من انقساماتٍ وصراعات، ما زالوا يرون في تطبيق القانون بعدالة ومن دون تمييز، حجر الزاوية في بناء دولة عادلة تحمي حقوقهم جميعًا.

 

ففي النهاية، من ينصف موظفًا صغيرًا يقوم بواجبه في الشارع، إنّما ينصف القانون نفسه، ويؤكد أنّ الانتماء الحقيقيّ الذي يجب أن يجمع الجميع هو الانتماء إلى المواطنة، لا إلى الطائفة أو اللهجة أو العرف الاجتماعيّ.

شارك

مقالات ذات صلة