سياسة
حملت كلمة الرئيس السوريّ أحمد الشرع في القمة العربيّة الإسلاميّة الطارئة بالدوحة، يوم أمس الإثنين، رسائل قوية وغير مسبوقة في الخطاب السوريّ الرسميّ تجاه إسرائيل، وأكّدت على تحوّل واضح في السياسة الخارجية السوريّة بعد سقوط النظام السابق. إذ اعتبر باحثون وخبراء سوريون أنّ هذه الكلمة مثلت “إظهارًا نادرًا للحشد الدولي لإدانة إسرائيل وعدوانها غير المسبوق”، كما رأوا أن الشرع “أرسل رسائل مباشرة لإسرائيل بأنّ القوة ليست قدرًا محتومًا، وأنّ العرب قادرون على قلب المعادلات إذا اجتمعوا”.
القمة الاستثنائيّة جاءت عقب العدوان الإسرائيلي المباشر على العاصمة القطريّة الدوحة، والذي استهدف شخصيات فلسطينيّة وقيادات من حركة “حماس” مقيمة هناك، في خطوة وصفها الشرع بأنّها “سابقة تاريخيّة”، إذ لم يسبق لإسرائيل أن اعتدت على طرف وسيط ومفاوض في أي أزمة.
العدوان ترافق مع استمرار الحرب على غزّة، والاعتداءات الإسرائيليّة المتكرّرة على الأراضي السوريّة منذ 9 أشهر، ما جعل القمّة الطارئة تحظى بزخمٍ عربيّ وإسلاميّ واسع، كونها تعكس خطورة تحوّل إسرائيل من استهداف غزّة وحدها إلى الاعتداء على دولة عربية ذات سيادة.
أكّد الرئيس السوريّ أحمد الشرع في كلمته أمام القادة العرب والمسلمين أنّ “سوريا تقف بجانب الدوحة قيادةً وشعبًا”، مشدّدًا على أنّ “من نوادر التاريخ أن يُقتل المفاوض، ومن سابقة الأفعال أن يُستهدف الوسيط”. وأضاف: “أقف وشعب الجمهورية العربيّة السوريّة بأكمله إلى جانب الأشقاء في دولة قطر وفاءً لها ولعدالة موقفها”.
الشرع لفت إلى أنّ العدوان الإسرائيليّ ما يزال متواصلاً على غزّة، في الوقت الذي يواصل فيه استهداف الأراضي السوريّة منذ 9 أشهر. وأردف قائلاً: “ما اجتمعت أمة ولمّت شملها إلا وقد تعاظمت قوتها، وما تفرقت أمة إلا وقد ضعفت”.
وتوزّعت محاور كلمته بين التضامن الكامل مع قطر ضد العدوان الإسرائيليّ، ووصف استهداف الوسطاء بأنّه “عمل غادر وجبان”، والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينيّة، والتنديد بالعدوان المستمر على غزّة وسوريا، والدعوة إلى تحقيق المَنَعة وردع الظلم بالحنكة السياسية والقوة العسكريّة والكرامة الوطنيّة.
اعتُبرت مشاركة سوريا في القمة حدثًا مهمًّا، كونها جاءت بعد تحضيراتٍ سياسيّة هدفت إلى تثبيت الموقف السوريّ الرسميّ الجديد في القضايا العربيّة والإسلاميّة. وبالنظر إلى التصعيد الإسرائيليّ المباشر على قطر، بما فيه استهداف قيادات فلسطينيّة، فإن حضور دمشق أعطاها دورًا إضافيًّا، ليس فقط في الدفاع عن القضية الفلسطينيّة، بل في الدفاع عن سيادة دولة عربية شقيقة، وهو ما يفتح المجال للمطالبة بإجراءاتٍ دوليّة أو تحالف عربي لردع الانتهاكات الإسرائيليّة.
قال الخبير في العلاقات السوريّة الإسرائيليّة، خالد خليل، في حديثه لمنصة “سطور”، إنّ “الاجتماع الطارئ الذي استضافته قطر لدول منظمة التعاون الإسلاميّ يُعد إظهارًا نادرًا للحشد الدوليّ لإدانة إسرائيل وعدوانها المفاجئ والغادر وغير المسبوق على الأراضي القطريّة”. وأكّد أن ما حدث يمثل “سابقة تاريخيّة أن يُعتدى على الطرف المفاوض والوسيط في آنٍ معًا”، مشيرًا إلى أنّ إسرائيل “تجاوزت جميع الخطوط الحمراء”.
وأضاف خليل أنّ هذا يعبر عن “العربدة والعنجهية الإسرائيليّة التي يقودها مجرم الحرب بنيامين نتنياهو المطلوب للعدالة الدوليّة، والذي يواصل الإبادة الجماعيّة في قطاع غزّة منذ شهرين”، معتبرًا أنّ استهداف قطر “جنون عظمة” كونه موجهًا ضدّ دولة “ليست فقط ذات سيادة، بل أدت دور الوسيط وسعت إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب على غزّة، وهي أيضًا حليف استراتيجي للولايات المتحدة”.
وتابع خليل أنّ الكلمة المقتضبة للرئيس الشرع في القمة كانت بارزة، إذ دعا إلى “توحيد الصف العربيّ وإظهار رد حازم وحاسم تجاه إسرائيل”. وأوضح أنّ إسرائيل تميل إلى التمدّد إذا لم تجد ردًّا قويًّا، مضيفًا: “هناك تناسب طردي في تعامل إسرائيل، فإذا لم تواجه برد، فهي تتمادى وتوسع دائرة الاستهداف، وهذا ما شاهدناه باستهداف قطر”.
وأشار خليل إلى أنّ هذه ليست المرة الأولى التي تشارك فيها سوريا في اجتماعات إسلاميّة أو عربيّة، فقد حضر وزير الخارجية أسعد الشيباني قبل 3 أسابيع اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، حيث حذّر من “المشاريع التوسعية والتفكيكيّة الإسرائيليّة التي لا تهدد الأمن القومي السوري فحسب، بل الأمن القومي العربي برمته”.
ولفت خليل إلى أنّ المشاركة السوريّة اليوم تختلف عن فترة النظام السابق، حيث كانت دمشق “تتاجر بالقضية الفلسطينيّة وتدخل في محاور إقليمية، خصوصًا المحور الإيراني، الذي لم يجلب سوى الدمار”. بينما في العهد الجديد “نرى انسجامًا مع المحيط العربيّ والإسلاميّ، وزخمًا إقليميًّا لدعم التجربة السوريّة”.
كما اعتبر أنّ المفاوضات السوريّة الإسرائيليّة الراهنة تختلف جذريًّا عن تلك التي كانت تجري سابقًا في ظلّ نظام بشار الأسد، إذ “يظهر المفاوض السوريّ اليوم واقعيّة سياسيّة ويسعى لتحقيق المصالح العليا للبلاد بدفع أمريكي، لكن الهدف الأساس هو كفّ الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية”.
وأكّد خليل أنّ الهجوم الإسرائيليّ على قطر يمثل أيضًا محاولة “لفرض وقائع ميدانية على المستوى الإقليميّ، في وقت تمر فيه المنطقة بتحولات كبرى، من تراجع المشروع الإيراني، وانحسار الدور الروسي، إلى انكفاء المشاريع الأيديولوجية، بما فيها نشاط حزب العمال الكردستاني والحرس الثوري الإيراني وحزب الله”.
وأشار خليل إلى أنّ “الخطاب الرئاسيّ السوريّ ضدّ إسرائيل شهد تطورًا ملحوظًا”، مستشهدًا بكلمة الشرع عقب الهجوم الإسرائيليّ على هيئة الأركان ومدخل القصر الجمهوري في تموز/ يوليو الفائت، حين وصف إسرائيل بـ”الكيان الإسرائيلي” وأكد: “إذا أرادت حرب نحن لا نخشاها”.
من جانبه، قال الباحث والضابط السابق، رشيد حوراني، في حديثه لـ”سطور”، إنّ “الرئيس السوريّ أحمد الشرع أرسل عدة رسائل لإسرائيل سواء من داخل سوريا، أو من خلال مشاركته في القمة العربيّة في القاهرة، وفي القمة الطارئة بالدوحة اليوم”.
وأوضح حوراني أنّ الشرع شدد في كلماته على أنّ “القوة العظمى ليست بالضرورة أن تربح في كل معركة”، وهي رسالة مفادها أنّ “القوة المادية لا تحقق دائمًا النصر”. وأكد أنّ إسرائيل تخشى من تلميح الشرع المتكرّر إلى أنّ العرب قادرون على تغيير المعادلات إن اجتمعوا.
وأضاف حوراني أنّ خطاب الشرع يذكّر ببيت شعر للقيط بن يعمر الإيادي حين كتب لقبيلته محذرًا من هجوم كسرى:
“يا لهف نفسي إن كانت أموركم … شتى، وأُحكِم أمر الناس فاجتمعا”.
إن مشاركة سوريا في قمة الدوحة الطارئة تمثل نقلة نوعية في السياسة السورية عربيًّا. فبعد سنوات من العزلة والانكفاء، تعود دمشق لتؤدي دورًا فاعلًا في قلب النظام العربي والإسلامي، وتؤكد على أنّها لن تكون عبئًا أو مصدر قلق لجوارها، بل شريكًا في الدفاع عن السيادة العربية.
وقوف سوريا إلى جانب قطر في مواجهة العدوان الإسرائيليّ ليس مجرّد موقف تضامني، بل إعلان صريح أنّ “الاعتداء على أيّ دولة عربية هو اعتداء على الأمة كلها”. بهذا المعنى، فإن دمشق تعيد ترسيخ نفسها كداعم رئيسي للقضية الفلسطينيّة، وفي الوقت نفسه كحامٍ لسيادة الدول العربية، ما يمنحها موقعًا محوريًّا في التوازنات الإقليميّة ويعيد لها دورها الطبيعي كفاعل عربي جامع.
اليوم، عبر مشاركة الرئيس أحمد الشرع في قمة القادة بالدوحة، تؤكد سوريا أنّها لم تعد غائبة عن الفضاء العربيّ والإسلاميّ، بل حاضرة بفاعلية في صياغة الموقف الجماعي، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بقضايا تمسّ السيادة العربيّة. موقف دمشق الداعم لقطر في مواجهة العدوان الإسرائيلي شكّل رسالة واضحة بأنّ سوريا الجديدة ترى أنّ الدفاع عن قطر هو دفاع عن الأمة العربيّة بأسرها، وأنّ أيّ استهداف لدولة عربية ذات سيادة، وخاصة دولة أدّت دور الوسيط، يٌعد تجاوزًا للخطوط الحمراء.
بهذا المعنى، تتحوّل سوريا إلى ركيزةٍ أساسية في منظومة الموقف العربي والإسلامي، فهي تدعم قطر في معركتها الدبلوماسيّة والأمنيّة ضدّ العدوان، وتربط هذا الموقف بمركزيّة القضيّة الفلسطينيّة وبحقّ العرب في امتلاك قرارهم المستقل ومناعة سيادتهم. هذه المشاركة لا تعكس فقط التضامن مع قطر، بل تعكس أيضًا إدراكًا سوريًّا متزايدًا بأنّ دورها الإقليميّ مرتبط بإظهار قوة الانسجام العربيّ في مواجهة التحديات المشتركة.