Search

Close this search box.

مدونات

الانتخابات القادمة في موريتانيا: هل ثمة فرص للانتقال المدني؟

يونيو 22, 2024

الانتخابات القادمة في موريتانيا: هل ثمة فرص للانتقال المدني؟

في ظل نظامي دولي يتسم بالتغيرات السياسية الجذرية، وضمن إطار إقليمي شرع -فعلا- في القضاء على الإستبداد و الديكتاتوريات المتوارثة من المستعمِر و حلفاؤه المحليين، و أمام شعوب بدأت تفيق من سباتها و طفقت تفهم قواعد اللعبة و تغار بعضها على البعض أكثر من أي وقت مضى، و في ظل عَولمة لا يخفى عن الناخب ما سيفعله المترشح بعد جلوسه على كرسي الحكم…

 

في ظل كل هذه التطورات، تُرى كيف يمكن لموريتانيا أن تُغيِّر من جلدها التقليدي المستنزَف و المتوارث بين أفراد المؤسسة العسكرية؛ إلى جلد حديث نقي يساير ركب التطور و النمو وذلك عبر صناديق الإقتراع ؟ هل يمكن للإستحقاقات القادمة أن تتشكل كنقطة فصل بين ماضي موريتانيا المحبِط و مستقبلها المؤمَّل ؟ هذا ما سنناقش في الأسطر القادمة عبر التطرق للتأثيرات الجيوسياسية على عملية اختيار الرئيس الجديد و من ثم نقترح رؤى و فرص تسهل مهمة انتقال السلطة من أيدي العسكر إلى المدنيين المنتخبين .

 

أولا: التأثيرات الجيوسياسية على انتخابات ٢٩ يونيو في موريتانيا

 

من الصعوبة بمكان إنكار تأثير الظروف الدولية و الإقليمية السياسية و اقتصادية و حتى الجغرافية على انتخابات الداخلية لدول العالم الثالث؛ حيث أن هذه الدول تعتبر عنصرا أساسيا من عناصر اللعبة التي تلعبها الدول العظمى ضمن النظام الدولي الحديث. و لقد شهدت إفريقيا بشكل عام و الغَربية منها على وجه أخص تحولات سياسية بعضها دستورية و بعضها الآخر غير دستورية خلال خمس سنوات الآخيرة. منها على سبيل المثال مالي و بوركينا فاسو اللتان لا زالتا في المراحل الانتقالية إلى اليوم. كما شهدت الجارة السنغال تحولا دستوريا مهما في تاريخها، و مثله في تشاد التي نظمت انتخاباتها مؤخرا، و رغم أن انتخابات تشاد تختلف عن انتخابات سنغال من حيث رِضى الشعب و ما قيل عنهما من قبل المحللين، إلا أنها -أي تشاد، و على كل حال- استطاعت أن تنظم انتخابات رئاسية بعد دخولها في مرحلة انتقالية دامت ثلاث سنوات على خلاف مالي و بوركينا فاسو.

 

ومن منظور جيوسياسي يمكننا استخلاص تأثير الظروف السياسية المحيطة بموريتانيا على موريتانيا، و نتساءل هل تصب هذه الظروف في مصلحة الرئيس المنتهية ولايته أم لا ؟ تظهر الثأثيرات الجيوسياسية على موريتانيا و انتخاباتها الرئاسية من ناحيتين؛ ناحية إيجابية تصب في مصلحة الرئيس الحالي و أخرى سلبية تصب في خسارته.

  •  الناحية الإيجابية إن ما يجري في محيط الدولة الموريتانية من تحولات جذرية و تبدل أدوار للقوى العظمى فيها (روسيا و الغرب)، والنزاعات و الجرائم المنظمة العابرة للحدود، لجدير بأن يُذكر ضمن سياق الانتخابات الرئاسية الموريتانية، حيث يبرز دور رئيس الدولة وجدارته بالتمسك من قبل القِوى الحليفة من خلال تعاطيها مع هذه الأحداث، فما يحدث-مثلا- في الحدود الموريتانية المالية من اعتداءات على ساكني المناطق الحدودية الموريتانية و توغلٍ لقوات فاغنر الروسية فيها، تصب في مصلحة الرئيس الحالي المنتهية مأموريته بدون شك؛ باعتباره الحاكم العسكري القادر على التصرف في مثل هذه التواترات الحدودية إذا ما تطورت لا حقا. خصوصا أن كلاً من مالي و بوركينا فاسو يحكمهما حاكمان عسكريان عبرا من الجيش نحو السلطة مثلهما مثل ولد الغزواني. و من ناحية أخرى فإن علاقة الرئيس الموريتاني المنتهية مأموريته بالغرب عموما، تتسم بالود و الولاء، و مع فرنسا بشكل أخص، التي بات وجودها -سياسيا أو عسكريا أو حتى ديبلوماسيا- أمرا غير مرغوب فيها من قبل الشعوب و الحكام الجدد على حد سواء. مما حدا بكل من مالي و بوركينا فاسو على طردها و إبدالها بروسيا. و هذا يعطي لفرنسا حاجة ملحة للتدخل ( المباشر أو غير المباشر) في الرئاسيات الموريتانية إذا اقتضى الأمر؛ و ذلك حفاظا على مكانتها التاريخية ضمن هذا الإقليم، و حتى لا تخلو المنطقة بالكامل من حليف فرنسي، خصوصا مع توجه الجديد للحكومة السنغالية المنتخبة حديثا نحو الوجود الفرنسي فيها .
 
  • الناحية السلبية إن إمعان النظر على ما يحدث للمنطقة بشكل عام و ما حدث في السنغال مؤخراً يؤكد أن هذه الشعوب المضطهدة طيلة عقود بدأت تستفيق من سباتها العميق و شرعت تأخذ موقف الجِدّ و العزم من حالها، و بدأت تحلم جدّياً بتغيير حالها بنفسها و لنفسها، وذلك عبر صناديق الاقتراع . و هذا التوجه يشكل تحديا كبيرا للشعب الموريتاني الذي يتمتع بوعي سياسي أقل من الشعوب دول الجوار، و ذلك لعدة عوامل ذكرنا بعضها سابقا، و لاحقا سنتطرق لبعضها الآخر .
 

إن ما حدث في السنغال مؤخراً من انتصار كاسح للشعب و تسليم السلطة لشباب من العامة شقوا طريقهم من القاع مسلحين بالتفكير الإصلاحي الديمقراطي، بعيدا عن عراقيل و قيود العسكر و ضغوطات الطبقات الاجتماعية المختلفة . هذا لدرس طازج للشعب الموريتاني الذي ينبغي أن يأخذ بكافة الوسائل الديمقراطية الممكنة للتحقيق النصر لنفسها و تسليم السلطة لمن يستحقها فعلا، و كما يقال:” الدول تحاكي الدول”. فمن الجدير بالحدوث أن تحاكي الشعوبُ الشعوبَ. رغم أنها إفريقيا التي لا تحكمها قوانين الطبيعة و لا القوانين الوضعية ولا دخل للديمقراطية ولا صناديق الاقتراع في أمرها . و كما أنها موريتانيا التي هي استثناء من الاستثناء .

 

ثانيا: هل من فرصة لتغيير السلطة؟

 

إن عملية تغيير السلطة في موريتانيا بطريقة سلمية من أيدي لا يتأتّى إلا بتحقيق مجموعة من العوامل أبرزها:

١-  الاتحاد: إن الدولة الموريتانية من الدول الإفريقية التي تحتوي على أعراق متعددة من حيث اللغة و العرق و الثقافة، و هذا التنوع -بطبيعة الحال- أدى إلى نوع من العنصرية و التفرقة بين مكونات الشعب الموريتاني بطريقة مقصودة و غير مقصودة. بَيد أنه كان من المفروض أن يكون هذا التنوع هو سِرّ القوة لمواجهة الطغاة و الفاسدين، كما رأينا نماذج من هذا النوع في الدول العالم الثالث. فما دمنا نعيش في دولة وطنية شعارها الإخاء و العدل, و ما دام العامل الديني و العامل الوطني هما اللذان يجمعان الشعب الموريتاني؛ فمن الوعي سياسيا و حضاريا أن نضع يدا فوق أخرى و ننهض بأنفسها و نواجه المشاكل جنب إلى جنب. فهذا الاتحاد أو هذا الإخاء يقتضي نبذ العرقية و العنصرية و مسبباتها و هي مأمور منهي عنها شرعا و قانونا، و منبوذ دوليا، و عكسها ضرورة ملحة لأي دولة تريد أن تتقدم و تساير ركب التطور و النمو .

 

٢- الوعي السياسي: إن الوعي السياسي يتطلب أن يكون المواطن عارفا بحقوقه و واجباته(ما له وما عليها) اتجاه الدولة و المجتمع، كما يقتضي -أيضا- أن يعرف المواطن أن للمشاركة السياسية أهمية كبرى تتجلى في إعطائه قدرة على الانخراط في عملية اتخاذ القرارات في الدولة، و حقه في التصويت و الاختيار بطريقة حرة خالية من عيوب الإرادة، و حقه في الانضمام إلى الأحزاب و الجماعات السياسية و منظمات المجتمع المدني. و نتيجة كل ما سلف هي تحقيق وعي سياسي للمواطن يمَكِّنه من التنبؤ و رؤية المستقبل المشرق لدولته، و ذلك بمشاركة تلك طالما أنه أهل لذلك .

 

٣- المصلحة المجتمعية: و يعني ذلك أن يجعل المواطن مصلحة المجتمع و الدولة ككل فوق مصلحته الشخصية، و أن يتنازل عن بعض الاعتبارات و النُّزعات الفردية و البرغماتية تحقيقا للمصلحة الوطنية العليا، و لأهميتها هذه النقطة فقد أمرنا الشارع الحكيم بها و عمل بها النبي صلى الله عليه وسلم في مواقف عديدة من سيرته العظيمة، وقصة الصلح الحديبية خير دليل على ذلك. و النقطة هذه هي الإختبار الذي يفشل فيه كل مواطن موريتاني يدَّعي الوطنية و التضحية في سبيل مصلحة المجتمع؛ وذلك عندما تطرحه المواقف في ظروف تطلب التنازل عن واحدة من تلك المصالح. لماذا يفشل في الاختبار ؟ ببساطة لأن هناك خلل في عامل الإخلاص . أجل؛ فلكي يؤْثر المواطن المجتمعَ على نفسه فلا بد له من إخلاص للقيم الاجتماعية العليا -العدل و الإخاء والشرف مثلا- و لا بد للأفراد من توافق بين المصالح المختلفة للتوصّل إلى توافقٍ واسع على ما يشكل أفضل مصلحة للجماعة .

 

٤- صناديق الاقتراع في هذا العالم الديمقراطي الليبرالي لا يخفى على أحد أهمية صناديق الاقتراع في صناعة التغيير في دولة ما طالما أنها الوسيلة الشّرعية للتناوب على السلطة، و لِما تتيح من فرصة للجميع لاختيار قائد المجتمع بنفسه دون وسيطة. و أهمية الانتخابات في صناعة التغيير تتجلى في موريتانيا أكثر من أي دولة أخرى. ذلك أنها لا زالت في ذيل مؤشرات التنمية البشرية و السياسية و الاقتصادية. ولم تفت الفرصة بعد طالما يعد ٢٩ يونيو/ حزيران الجاري موعدا مضروبا لشيوخ موريتانيا و شبابها مع صناديق الاقتراع. و لا شك أن تغيير السلطة في موريتانيا عن طريق صناديق الاقتراع ضرب من الحلم و الخيال-حسب تفكيرنا التقليدي- إلا أنه ممكن مثل ما فعلت دول غير موريتانيا. و ذلك بتحقيق مجموعة من العوامل البسيطة التي تطرقنا لها آنفا و التي ستفتح أفاقا واسعا لمناشدي التغيير في البلد و تعطي فرصة للمستحقين لقيادة البلد في السنوات القادمة.

 

الخاتمة

 

إن هذه النقاط التي تحدثنا عنها سالفا، و غيرها.. تتشكل كـ رُؤى و آفاق بالنسبة للشعب الموريتاني، بتفعيلها على النحو الصحيح تتحقق التغيير المنشود، و لكي تتحق هذه الرُّؤى فلا بد من عمل فردي و جماعي على حد السواء. فالتغيير يبدأ من الفرد ثم يتسرب إلى جماعة و من ثم إلى المجتمع ككل. و أول محطة من محطات التغيير هي تغيير العقلية.. فالعقل هو الذي يتحكم في المنظورات الفكرية للفرد نحو الدولة و مستقبلها، فمتى ما حدث خلل في هذه المنظورات الفكرية؛ بأن يصبح الفرد يعتقد عدم جدوى الانتخابات الرئاسية و عدم قدراتها على صناعة التغيير، أو القول أن الذي يفوز معروف مسبقا، أو أن الدولة لا مستقبل لها و الهجرة أولى من المشاركة السياسية.

 

فحينها يكون المواطن قد وجه على نفسه رصاصة الإغتيال الفكري و قضى على منظوره السليم. لذلك على الشعب الموريتاني ككل، و على الشباب و المتطلعين لمستقبل أفضل على وجه الخصوص؛ أن يتأكدو من صحة منظوراتهم الفكرية السياسية و أن يُوجِّهوها نحو الوُجهة الصحيحة التي يتطلب الوصول إليها: الاتحاد و نبذ الفئوية و العرقية، و الوعي و المشاركة السياسية، و استعمال حق التصويت و حق الانخراط في التجمعات و الأحزاب السياسية و المشاركة في عملية اتخاذ القرارات، و تقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية و نبذ البروغماتية، و العمل بالإخلاص و التفاني و الجِدية و التعلّم و المشاركة الفعالة من قبل المجتمع المدني… و ذلك كله من أجل أخذ الدولة من أيدي النخبة المستغِلة و إخراجها من عهد الفساد الى عهد البناء و التجديد.

شارك

مقالات ذات صلة