مشاركات سوريا
الكاتبة: ديانا القصير
تُعدّ نتائج الثانوية العامة “البكالوريا” محطة مفصلية في حياة الطلاب السوريين، فهي لا تحدد فقط مسارهم الجامعي، بل تؤثر بشكل مباشر على مستقبلهم الأكاديمي والمهني. وفي دورة عام 2025، كانت النتائج محط جدل واسع بين الطلاب والأهالي، وسط مشاعر متباينة من الفرح والخيبة، وشهادات عديدة عن تعب لم يُكلَّل بنتيجة مرضية، وأحلام اصطدمت بنتائج غير متوقعة.
في ظل الحديث عن تسريبات، أخطاء في التصحيح، تأخّر في توزيع الأوراق، ورفض إجراء دورة تكميلية، برزت أصوات كثيرة تطالب بإعادة النظر والمحاسبة وفتح باب الإنصاف. وبين من شعر بالعدل وبين من عبّر عن صدمة وحرقة، تبقى هذه النتائج أكثر من مجرد أرقام، بل قصة تعب وأمل ومصير لمئات الآلاف من الطلاب.
في كل عام، يحمل إعلان نتائج امتحان البكالوريا مزيجاً من الفرح والإحباط، لكن هذا العام كان له نكهة مختلفة. لم يعد الأمر مجرد أرقام تُعلن، بل أصبح موضوعاً للنقاش الساخن حول العدالة، الفرص، والظروف المحيطة بالامتحان من داخل قاعات الامتحان، حيث خرجت أصوات الطلاب لتسرد حكايتها، آراء مأخوذة من الطلاب.
ما بدأ كهمس خجول تحوّل إلى اتهامات صريحة، لدرجة أن كلمة “تسريب” أصبحت على كل لسان
تقول إحدى الطالبات بوضوح، “لم تعد الأمور تحتمل التستر”. الحقيقة صارت مكشوفة للجميع. قنوات “تليجرام” كانت مرتعاً للتسريبات، وأساتذة خرجوا علانية ليتحدثوا عن هذه الظاهرة، ومع ذلك، ساد صمت غريب. في امتحان العلوم، تسربت الأسئلة قبل ساعة وربع من الامتحان، وهو ما سمح لبعض الطلاب بتحقيق العلامة الكاملة. لم يكن الأمر حادثاً فردياً، بل تكرر في اللغة الإنجليزية والرياضيات.
عند الحديث عن الاعتراضات، لا يمكن تجاهل المشهد الذي رأيناه. طوابير طويلة ملأت المراكز، وهو دليل قاطع على حجم الإحباط. تقديم الاعتراض لم يكن مجرد إجراء روتيني، بل كان مكلفاً مادياً، مما زاد من العبء على الطلاب وأسرهم. هذا المشهد يثير سؤالاً جوهرياً: هل كل هؤلاء الطلاب مخطئون في تقديرهم لنتائجهم؟ وهل يوجد جدوى من هذه الاعتراضات؟
لم تتوقف معاناة الطلاب عند التسريب. أسئلة العلوم كانت مدمجة ومعقدة بشكل لا يخدم الغرض التعليمي، رغم أن عددها كان كافياً. وفي امتحان الرياضيات، الذي كان الأول من نوعه بنظام الأتمتة، كان السؤال الأول “نكشة” غير متوقعة، وحمل علامتين، وهو ما جعل الطلاب يشعرون أن الامتحان موجه للمتخصصين، وليس لطلاب في هذه المرحلة.
الظروف المحيطة لم تكن أفضل حالاً. تأخر توزيع الأوراق في امتحان الفيزياء بإحدى المدارس زاد من التوتر، وغياب الكهرباء والتكييف في القاعات جعل التركيز مهمة مستحيلة. كل هذه العوامل أثرت على الأداء بشكل مباشر. نحن لا نرفض نجاح من تعب، لكننا نرفض أن تُهمل ظروف باقي الطلاب مجتمعنا الحالي بحاجة إلى فرصة عادلة للمستويات المتوسطة، وليس فقط للمميزين.
مطالب الطلاب واضحة، يطالبون وزارة التربية والتعليم بامتحان تكميلي كما كان في السنوات الماضية. ويطالبون بتخفيض معدلات القبول في المفاضلات، لأن أحلامهم يجب ألا تُقيد بمعدلات فقط، كما يطالبون بالعدالة بين الفرعين العلمي والأدبي، خاصة في المواد المشتركة مثل اللغة العربية، التي يجب أن تكون مهمة للجميع. نحن نطالب بفرصة عادلة للجميع، لا أكثر ولا أقل. في النهاية، هذه القصة ليست مجرد شكوى فردية، بل هي صدى لمئات الأصوات التي تطالب بفرصة عادلة. فرصة لا تعتمد على ظروف خارجية أو على تسريبات، بل على جهد الطالب ومثابرته.
كما يناشد الأهالي من جهة أخرى، بأن الوضع النفسي لأبنائهم في حالة تدهور شديد، نتيجة الشعور بالظلم والإحباط بعد صدور النتائج، خاصة بعد عام دراسي مليء بالضغوط والتعب.
وقد أكد كثير من الأهالي أنهم حرموا أنفسهم وأسرهم من أبسط مقومات الراحة، وضحّوا بالكثير من أجل تأمين الدروس الخصوصية والمعاهد التعليمية، على أمل أن يُترجم هذا الجهد إلى نتائج تعكس تعب أولادهم، وتمنحهم فرصة تحقيق أحلامهم.
ويطالب الأهالي بإعادة النظر بعمليات التصحيح والتدقيق في الاعتراضات، مع التأكيد على أن أي خطأ بسيط في التصحيح قد يدمّر مستقبل طالب اجتهد عاماً كاملاً. كما يدعون إلى اتخاذ قرارات عادلة تُنصف الطلاب المتضررين، وتمنحهم حقهم الطبيعي في مستقبل يليق بتعبهم.
في خضم النقاشات حول صعوبة الامتحانات وظروفها، هناك أصوات أخرى تحمل شهادات مختلفة. لطلاب بذلوا جهوداً مضاعفة، كانت هذه الامتحانات فرصة حقيقية لإثبات الذات. بالنسبة لهم، كان الامتحان عادلاً، ونتائجه تعكس بدقة سنوات من الدراسة.
يقول أحد الطلاب المتفوقين: “لم يكن الامتحان سهلاً، لكنه كان منطقياً وعادلاً”. ويرى أن الأسئلة الجديدة ونظام الأتمتة لم يكن عائقاً، بل كان تحدياً أضاف قيمة للامتحان، لأنه يختبر الفهم العميق للمادة وليس مجرد الحفظ. هذه الفئة من الطلاب تؤمن بأن الاجتهاد هو أساس النجاح، وأن النتائج التي حققوها هي تتويج لجهودهم الخاصة. بالنسبة لهم، ظروف الامتحان كانت طبيعية بالنسبة للبلاد وهذا الظروف منذ 14 عاماً وليست في هذا عام فقط، والمثابرة والتركيز يصنعان الفارق، لا الظروف الخارجية.
هؤلاء الطلاب يرون في نظام الامتحانات الجديد فرصة للتألق واللحاق بالدول المتقدمة بعد الحرب التي دامت لأعوام، ويطالبون الآخرين بالنظر إلى الأمر من منظور مختلف. يقولون إن الانتقاد يجب أن يكون بنّاءً، لا مجرد شكوى. فبدلاً من التركيز على السلبيات، يمكن استغلال هذه التحديات لتحقيق الأفضل في المستقبل. إنهم يمثلون فئة تؤمن بأن النجاح الحقيقي يأتي من الداخل، من الإصرار، ومن الرغبة في التميز.
وفي سياق آخر، أكد أحد الأساتذة أن ما يحدث اليوم من ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي، وردود فعل طلابية مبالغ بها، يُعد انعكاساً لوضع عام في البلاد، أكثر مما هو متعلق فقط بنتائج البكالوريا.
وأوضح أن الطلاب باتوا يرغبون بالتعبير عمّا بداخلهم، وربما عن خيبات أمل متراكمة، بعد سنوات طويلة من الكبت، وهذا أمر مفهوم لكنه يجب أن يكون ضمن حدود واضحة.
وأضاف أن حدوث خلل في بعض المراكز الامتحانية قد يحدث في كثير من الدول، ولا يُعد مؤشراً على انهيار كامل في المنظومة. لماذا نحول الأمر إلى فوضى عامة؟.
وأشار إلى أن حرية التعبير مطلوبة ومهمة، لكن تحويلها إلى حالة من الفوضى والإساءة إلى المؤسسات والطلاب الآخرين يُسبب أذى نفسياً حتى للمتفوقين، ويزرع فيهم الشك بجهدهم.
وختم بقوله: “كل طالب أخذ حقه، ولا أحد فوق التقييم، لكن يجب ألا ننسى أن هناك طلاباً تعبوا بصدق ونجحوا بجدارة، ولا يجوز إنكار جهودهم”.
تُحدثت الباحثة التربوية والنفسية آلاء الدالي تعد امتحانات الثانوية (البكالوريا) في سوريا، كغيرها من الدول، مرحلة حاسمة وفارقة في حياة الطلاب. يتجاوز تأثيرها الجانب الأكاديمي ليصل إلى ضغوط نفسية واجتماعية هائلة تبدأ قبل عام من الامتحان، مما يولد قلقاً وتوتراً كبيرين وتشتيتاً ذهنياً يثقل كاهل الطالب ويؤثر على أدائه.
بعد ظهور النتائج، يواجه الكثير من الطلاب حالة من القلق والإحباط والتخبط. تنبع هذه المشاعر من عوامل عدة، أبرزها الحيرة بشأن المستقبل واختيار التخصص الأفضل، وتوقع نتائج أفضل تتناسب مع الجهد المبذول، مما يؤدي إلى رفض تقبل الواقع. هذا التوتر يمنعهم من الشعور بالراحة والارتياح بعد انتهاء هذه المرحلة.
تُعتبر الأسرة عاملاً حاسماً في تخفيف هذه الضغوط أو زيادتها. فقبل النتائج، يجب على الأهل فهم طبيعة هذه المرحلة وصعوبتها، وتخفيف الضغط بدلاً من زيادته، وذلك بمساعدة الطالب على التعبير عن مشاعره والاشتراك في وضع آليات للتخفيف من التوتر.
للمدرسة والمرشد النفسي دور مكمل ومرادف لدور الأسرة. يكمن هذا الدور في الاستماع للطالب وفهم نقاط قوته وضعفه الأكاديمية والشخصية. يجب على المرشد أن يساعد الطالب على التركيز على إيجابياته، ويدربه على إدارة الضغوط العاطفية وتنظيم المشاعر، وإدارة الوقت، وتحديد الأهداف وتقسيمها إلى خطوات قابلة للتحقيق.
إن طريقة تعاملنا مع نتائج أبنائنا هي انعكاس لطريقة تربيتنا لهم. يتطلب التعامل مع النتائج المختلفة البحث معهم عن الأسباب بموضوعية للاستفادة من الأخطاء. يجب تقبل الواقع الحالي مهما كانت النتيجة، لأن الأهل الذين يعانون من القلق ينقلون هذا التوتر لأبنائهم، مما يؤثر سلباً على أدائهم وحياتهم.
من المهم أن يدرك الطالب سبب دراسته وما هو الهدف من هذه الشهادة قبل البدء بالدراسة. هذا الوعي بالهدف يمنحه دافعاً قوياً للاستمرار. يجب ألا يُركز الطالب على الماضي أو يُسرف في مشاعر الندم والإحباط، بل يجب أن يُركز على الاستفادة من الأخطاء ووضع خطة لتلافيها في المستقبل.
أخيراً، يجب على الأسر مساعدة أبنائها على التفكير والاختيار، وتوجيههم نحو نتائج خياراتهم، مع تذكيرهم بأن هذه النتائج هي حصيلة جهدهم وأنهم مسؤولون عنها. تجنبوا الضغط عليهم لدخول فرع معين، بل ساعدوهم في ترتيب أفكارهم وأولوياتهم. راعوا اختياراتهم وقدراتهم، لا خياراتكم أنتم كأهل، وتجنبوا المقارنة بين أبنائكم وبين الآخرين، فلكل طالب قدراته وفروقاته الفردية.
في نهاية المطاف، لا تُقاس قيمة الطالب بورقة امتحان ولا بمجرد مجموع علامات. فخلف كل رقم هناك قصة كفاح، وسهر، وأمل. ومن حق كل طالب أن يُنصَف، ومن واجب الجهات المعنية أن تراجع وتحاسب حين يُهدد مستقبل جيل كامل.
الطلاب لا يطالبون بالمستحيل، بل بعدالة وشفافية، وفرصة حقيقية تعطي كل ذي حق حقه. فالأحلام التي بُنيت خلال سنوات، لا يجب أن تنهار في لحظة بسبب خلل أو إهمال.
في المقابل، هناك من يرى أن النجاح كان من نصيب المجتهدين، وأن التقييم كان منصفاً بشكل عام، وهكذا يبقى المشهد بين محبط متألم ومتفائل راضٍ.
وبين هذا وذاك، يظل صوت الطالب هو الأهم. ويستمر الأمل بأن تُنصت وزارة التربية لهذا الصوت، وتبحث عن حلول تراعي مصلحة الجميع، لأن مستقبل وطن بأكمله يبدأ من عدالة المقاعد الدراسية.