مدونات

غزة وحيدة بين الإدانات والمواقف العربية الشكلية!

سبتمبر 7, 2025

غزة وحيدة بين الإدانات والمواقف العربية الشكلية!

للكاتب: ظاهر صالح


مع تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، واستمرار حرب الإبادة ومنع دخول المساعدات، وفي ظل الصمت الدولي والعجز العربي عن وقف هذه الانتهاكات الجماعية الخطيرة لحقوق الإنسان، ومع تصاعد عمليات التهجير القسري وقطع الإمدادات وغياب الممرات الآمنة، تتضح معالم جريمة إبادة جماعية ممنهجة تستهدف الوجود المدني الفلسطيني في غزة بشكل لا يمكن تجاهله.

يأتي ذلك بعد الابتزاز والضغوط الإسرائيلية التي عبر عنها نتنياهو في تصريحاته بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، الأمر الذي أثار ردود فعل وإدانات عربية رسمية تعبر عن رفضها لأي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية عبر فرض التهجير القسري. في حين صدرت بيانات من السعودية وقطر والكويت والأردن والسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى مجلس التعاون الخليجي، أكدت القاهرة أن حدودها لن تكون أبدًا بوابة لتهجير الفلسطينيين، معتبرةً القضية الفلسطينية خطًا أحمر غير قابل للتجاوز.

في المقابل، يرى مراقبون أن نظام السيسي، على الرغم من تظاهره بهذا الموقف الرافض، لا يزال رهينة لضغوط وابتزاز إسرائيلي، وذلك بعد سنوات من التنسيق الأمني والسياسي مع الاحتلال، مما يثير تساؤلات حول مدى جدية القاهرة في المواجهة. ونستعرض فيما يلي ردود الفعل والمواقف العربية التي تمثل إجماعًا لفظيًا، وسط عجز ملموس في اتخاذ خطوات عملية لوقف الإبادة.


الموقف السعودي

في بيان رسمي، وصفت وزارة الخارجية السعودية تصريحات نتنياهو بأنها “متكررة واستفزازية”، وتشكل انتهاكًا جسيمًا للقوانين الدولية وأبسط المعايير الإنسانية، وأكدت الرياض رفضها القاطع لاستخدام الحصار والتجويع كأدوات لفرض التهجير القسري بحق الفلسطينيين، مشددة على دعمها الكامل للموقف المصري. ينسجم هذا الموقف مع مبادرة السلام العربية، ويعكس أيضًا محاولة السعودية التنصل من أي اتهامات بالتراخي، خاصة في ظل مساعيها المستمرة للتطبيع التدريجي مع كيان الاحتلال، الأمر الذي يجعل بياناتها عرضة للتشكيك.


الموقف القطري

من جانبها، اعتبرت وزارة الخارجية القطرية أن تصريحات نتنياهو امتداد لنهج الاحتلال في انتهاك حقوق الفلسطينيين وازدراء القوانين الدولية، مشيرة إلى أن هذه التصريحات تمثل محاولة متعمدة لقطع الطريق أمام حل الدولتين وفرص السلام. وشدد البيان القطري على أن “سياسة العقاب الجماعي، بما فيها الإبادة في غزة وانتهاكات الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان، لن تجبر الشعب الفلسطيني على مغادرة أرضه”، وطالبت الدوحة بتحرك عاجل من المجتمع الدولي لوقف السياسات الإسرائيلية المتطرفة، مؤكدة أن الحل الوحيد هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.


الموقف الكويتي

في المقابل، وصفت وزارة الخارجية الكويتية تصريحات نتنياهو بأنها “انتهاك صارخ لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف”، وأكدت رفضها القاطع لأي محاولات لفرض التهجير، وطالبت الكويت مجلس الأمن الدولي بالتحرك لوقف جرائم الإبادة وسياسة العقاب الجماعي، مشيرة إلى أن السلام العادل لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ويتسق موقف الكويت مع سياستها التقليدية في نصرة القضية الفلسطينية، مما يعزز صورتها كصوت عربي ثابت ضد التطبيع.


الموقف الأردني

أما الأردن، فقد أصدر بيانًا شديد اللهجة وصف فيه تصريحات نتنياهو بأنها “عدائية وخرق صارخ للقانون الدولي”، واعتبرت عمّان أن هذه التصريحات تمثل تعديًا على حق الفلسطينيين في البقاء على أرضهم، مؤكدة أن تهجيرهم جريمة حرب ستتصدى لها المملكة بكل إمكانياتها. كما شددت على دعمها الكامل لمصر في مواجهة مخططات تصفية القضية الفلسطينية، وينبع هذا الموقف من حساسية الأردن تجاه أي خطط لإفراغ الضفة الغربية، لما يمثله ذلك من تهديد لأمنه القومي وتركيبته السكانية.


موقف السلطة الفلسطينية

اعتبرت وزارة الخارجية الفلسطينية تصريحات نتنياهو اعترافًا رسميًا بمخططات التهجير، وأدانت اتهاماته الباطلة لمصر، مؤكدة أن الموقف المصري يشكل عائقًا أساسيًا أمام تمرير هذه المخططات، ومشيدة بدور القاهرة في دعم غزة وحقوق الفلسطينيين. ومع ذلك، يدرك الفلسطينيون حجم التواطؤ الإقليمي والدولي الذي سمح للاحتلال بارتكاب مجازر واسعة منذ 7 أكتوبر 2023، الأمر الذي يجعل الإشادة بالموقف المصري محاطة بالحذر والشك.


موقف مجلس التعاون الخليجي

وصف الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي، تصريحات نتنياهو بأنها دعوة علنية للتطهير العرقي، محذرًا من تداعياتها على استقرار المنطقة والعالم، وداعيًا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية لوقف هذه التصريحات. إلا أن مواقف مجلس التعاون تبقى في إطار بيانات روتينية، في ظل انقسام دوله بين من يمضي في التطبيع مع الاحتلال ومن يلتزم برفضه العلني.


الموقف المصري

أكد البيان المصري أن حدود مصر لن تكون أبدًا بوابة لتهجير الفلسطينيين، مشددًا على أن القضية الفلسطينية خط أحمر غير قابل للتغيير. في المقابل، رد مكتب نتنياهو باتهام مصر بأنها تفضل سجن سكان غزة داخل القطاع، في إشارة إلى التوتر القائم بين الطرفين. ورغم هذا التصعيد، تظل القاهرة في موقف صعب؛ فهي من جهة تسعى لإظهار نفسها كحامٍ للحقوق الفلسطينية، ومن جهة أخرى تواصل التنسيق الأمني مع الاحتلال في ملف سيناء والمعابر، إضافة إلى اعتمادها على الدعم المالي الأمريكي المشروط وتقديم الصفقات للاحتلال.

هذه الازدواجية دفعت أصواتًا فلسطينية وعربية إلى اتهام السيسي بالخيانة، إذ يرفض التهجير علنًا بينما يترك معبر رفح مغلقًا، خاضعًا لابتزاز نتنياهو وحلفائه. جدير بالذكر أن نتنياهو زعم في مقابلة عبرية أن نصف سكان غزة يريدون الخروج، مدعيًا أن ذلك ليس طردًا جماعيًا، بل خروج طوعي، وأضاف أن مصر ستغلق المعبر فورًا، في محاولة لإلقاء اللوم عليها. تكشف هذه التصريحات بوضوح نية الاحتلال فرض واقع التهجير كحل للأزمة التي صنعها بنفسه عبر الإبادة والحصار والتجويع.

تأتي هذه التطورات في ظل أسوأ كارثة إنسانية يشهدها القطاع في تاريخه، حيث تجاوز عدد الشهداء أكثر من 64 ألفًا والجرحى 162 ألفًا، معظمهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، وذلك وفقًا للإحصائيات الفلسطينية. كما نزح نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل 2.4 مليون، في حين لا يزال معبر رفح مغلقًا منذ سيطرة قوات الاحتلال على جانبه الفلسطيني في مايو/أيار 2024. وفي الوقت نفسه، تتساقط الأقنعة عن أنظمة عربية اختارت الاكتفاء ببيانات الإدانة، تاركة غزة تواجه مصيرها في خضم واحدة من أبشع الجرائم الجماعية في العصر الحديث.

شارك

مقالات ذات صلة