مجتمع
الكاتب: عبدالله بشار تركماني
تعيش سوريا منذ سنوات حالة من التشرذم والانقسام أضعفت الدولة والمجتمع معاً، وجعلت أبناء الوطن الواحد وكأنهم جزر متباعدة. اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تحتاج سوريا إلى مشروع وطني جامع يضع حدًا لكل أشكال التفتت، ويعيد الاعتبار لفكرة الدولة بوصفها المظلّة التي تحمي الجميع وتساوي بينهم.
لقد أثبتت التجربة المريرة أن الانقسامات، سواء كانت طائفية أو عرقية أو مناطقية، لا تجلب إلا مزيدًا من الضعف، فحين ينشغل الناس بتعميق خلافاتهم، تذبل روح الوطن في داخلهم، وما تحتاجه سوريا اليوم هو وعي جمعي يتجاوز تلك الانقسامات، ويستعيد شعور المواطنة على أساس الحقوق والواجبات لا على أساس الانتماءات الضيقة.
التشرذم عدو المستقبل
التشرذم لا يضعف الحاضر فحسب، بل يهدد المستقبل. أجيال كاملة من الأطفال نشأت في بيئة مليئة بالانقسام، تسمع خطاب الكراهية وتتعلم على أساس أن “الآخر” خصم أو تهديد. إن أخطر ما يمكن أن يصيب أي مجتمع هو أن يتشرّب صغاره هذا الفكر، لأنهم سيكونون حملة هذا الانقسام لعقود قادمة.
مع اقتراب موسم المدارس، تبرز مسؤولية كبيرة على عاتق الدولة والمجتمع معًا.. فالمدرسة ليست مجرد مكان للتعلم، بل مصنع للهوية الوطنية. في مقاعد الدراسة تتكوّن الشخصية السورية الصغيرة، وهناك إمّا أن نرسّخ فكرة “نحن جميعًا أبناء وطن واحد” أو نترك المساحة للتفرقة.
لهذا، لا بد أن تكون المناهج الدراسية أداة لبناء وعي وطني جديد، مناهج تزرع في عقول الأطفال قيم التسامح، والعيش المشترك، والعدالة، والمساواة. مناهج تقول للتلميذ: زميلك هو أخوك، وطنك واحد، مستقبلك مشترك.
إلى جانب المدرسة، تأتي أهمية حملات التوعية عبر الإعلام، والمؤسسات الدينية، والمجتمع المدني. هذه المنابر كلها يجب أن تعمل على خطاب واحد: سوريا للجميع، ولا بقاء لها إلا بالوحدة. على الناس أن يدركوا أن أي خطاب تقسيمي، مهما بدا صغيرًا أو هامشيًا، هو خنجر جديد في جسد الوطن.
ولعلّ أهم ما تحتاجه سوريا اليوم هو عودة عقلية الدولة لتسود، فحين تغيب الدولة كمفهوم جامع، تطفو على السطح العصبيات الضيقة. الدولة ليست مجرد مؤسسات إدارية أو قوانين جامدة، بل هي الفكرة التي تقول: كل فرد هنا مواطن متساوٍ في الحقوق والواجبات، وكل جماعة جزء من كلٍّ أكبر اسمه الوطن.
الدولة يجب أن تكون المرجعية الوحيدة في إدارة المجتمع، من خلال العدالة في توزيع الفرص، وضمان التعليم والصحة والعمل، وإعطاء الجميع شعورًا بأنهم محميون وممثلون.
إن سوريا اليوم أمام مفترق طرق، إما أن نستمر في الدوران داخل دوامة الانقسام، فنضيع حاضرنا ونحرق مستقبل أولادنا، وإما أن نضع يدًا بيد ونعيد الاعتبار لمفهوم الوطن الواحد، المدرسة الواحدة، والمستقبل الواحد.
إن ما تحتاجه سوريا اليوم باختصار هو: وحدة وطنية صادقة تُبنى في عقول الأطفال، وتترسخ في مناهج التعليم، وتصبح ثقافة عامة يقودها عقل الدولة لا عقل الطوائف أو الجماعات. عندها فقط يمكن لهذا البلد أن ينهض من جديد.