مدونات
قديماً… وفي لحظة شغف فريدة قرأت كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للعلامة الكبير أبو الحسن الندوي رحمه الله ورضي عنه، وحقيقة لم تسعفني المرحلة وقتذاك في إدراك الاجابة على السؤال حين انتهيت منه، فقد أعدت تكراره من جديد!
ولكني وبعد سنوات لاحقة عرفت الجواب حين أعدت مطالعته، لقد عمد الندوي إلى تبيان عظمة الإسلام وأنواره التي سطعت على الأمم، ليقول لنا إن العالم خسر بانحطاط المسلمين هذا الضياء العظيم واستبدله بالعتمة القاتمة والليل البهيم الذي طال على غير المعتاد.
ولكن هل هذا الانحطاط أصلاً كان نتاج داخلي أم خارجي أم هي عملية مزدوجة آتت اكلها؟!
منذ عقود طويلة، وسؤال (لماذا) يشغل الكتاب والمفكرين المسلمين، لماذا هذه مواقعنا بعد طول ازدهار وعظيم انجاز، ولماذا لا نعيد الكرة وننجح في الذي نجح به أجدادنا (إن كان الانتساب إليهم دقيقاً حتى في سؤال مغاير للمألوف)!
وبما أننا ما زلنا نجمد عند لحظة وموقع التراجع، فالسؤال يتكرر كل حين، ومن مختلف الاتجاهات ويكتب له من الإجابات ما يحتاج إلى استيعاب ومراجعات وتحديث مستمر كي يكون متوائماً مع طبيعة عصرنا الحاضر. نحن إذن أمام طرفين اثنين أولهما النكوص وثانيهما النهضة، وفهم الأول مدعاة منطقية للوصول إلى الثاني، وعبور هذا المسار لازم ولا فكاك منه، بل لعل عدم تحقق هدف النهوض مرتبط بشكل من الأشكال بالقفز على المراحل او عدم امتلاك أدواتها المطلوبة للعبور.
ومن أبرز ممن كتب في هذا المجال، ولم يسلط عليه الضوء بشكل متناسب مع قيمته، هو نتاج أمير البيان شكيب أرسلان (1869 – 1946) رحمه الله في كتابه الموجز المهم (لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟) والذي كتبه في وقت مبكر وقبل تفاقم الأزمات على الأمة المسلمة، ولكن دونه بفكر ثاقب، وعميق نظر واستشراف دقيق للمستقبل، وبقلم مفعم بالعاطفة الجياشة والحزن المرير.
وندرك دون شك أن الرجل كتب مدونته المهمة هذه وعينه تبصر سطوع الحضارة الغربية البارز والتقدم العلمي السائر إلى الأمام وبموازاة الخفوت العربي والإسلامي والانهزام المرّ في شتى الميادين، ولكن في النهاية قراءة الكتاب تدلنا على أن جذر المشكلة واحد، وسبب الانهيار مركب، والإخفاق في تحقيق التعافي المطلوب مرده إلى عدم تناول العلاج المطلوب!
واليوم ونحن نعيد تقليب صفحات ما كتبه أرسلان يمكننا تسجيل الأسباب الآتية للتراجع وتقدم غيرنا، وهي بشكل موجز: فقدان سبب السيادة السابق وفاقد الشيء لا يعطيه، وسيادة الجهل بموازاة العلم الناقص الذي لا يقل عنه تأثيراً وسلبية، وشيوع الخوار والضعف والانكسار الداخلي، وضعف الهمة واضمحلال الإرادة في التغيير، وفساد الطبقة الحاكمة وترددات ذلك لدى الرعية، والغلو في حب الدنيا وكره الموت، والوقوع بين الجمود المخطئ بفهم رسالة الدين والجحود المتنكر لعظمة الانتماء لأمة الإسلام، والتزام الخصم بمرجعيته الفكرية واستنكار المسلمين لها، وإغفال ما تمكن المسلمون من تحقيقه من حضارة عظمى كان أشد ما تعبر عن المدنية الحقة، وعدم الالتزام بالدرس القرآني الذي يحث على العلم وبعث في المسلمين القابلية على سبق الأمم في مجالات العلم والحضارة، وتجذر اليأس والقنوط في النفوس.
أما كيف يكون الاستدراك والتأسيس لمشروع النهضة الموعود، فذلك لن يكون إلا بالانتباه إلى كل ما تقدم وعلاجه خطوة بخطوة ودون تسويف أو تأخير او إبطاء.