فنون
منذ نشأة السينما، لم تكن الرحلة هادئة أو متواصلة على وتيرة واحدة، بل محفوفة بانعطافات أحدثها مخرجون غيّروا قواعد اللعبة، وأضاف كلٌّ منهم بصمته الخاصة على لغة الصورة، و”ألفريد هيتشكوك”، على سبيل المثال، حوّل التشويق إلى علم وفنّ، بينما قدّم “مارتن سكورسيزي” الجريمة كنافذة تطل على أعماق الروح الإنسانية وصراعاتها الداخلية، وجاء “كوينتين تارانتينو” ليعيد تعريف فيلم الأكشن مع “Kill Bill” أو “اقتُلي بيل”، حيث لم يختزل الأكشن في اشتباكات جسدية أو استعراض للقوة، بل حوّله إلى ملحمة بصرية مذهلة.
الفيلم تم تقسيمه إلى جزأين: الأول تم عرضه في عام 2003، والثاني تم عرضه في عام 2004، وكما اعتدنا من “كوينتين تارانتينو” وأسلوبه الفريد، لا يسير الزمن في خط مستقيم، بل يقدّم القصة على هيئة فصول، وهذا البناء السردي يمنح الفيلم روح الرواية، ويُبقي المشاهِد في حالة ترقّب دائم، ولا يمكن إغفال موهبة “كوينتين تارانتينو” ككاتب حوارات استثنائي، إذ يصوغ جُملًا طويلة وعميقة لا تأتي لملء الفراغ بين المَشاهد، بل تكشف طبقات الشخصيات وتمنح القصة أبعادًا درامية وفلسفية.
تدور أحداث الفيلم حول “العروس”، وهي قاتلة سابقة ضمن عصابة يقودها عشيقها القديم “بيل”، وفي يوم زفافها تتعرض لمجزرة مروّعة على يد “بيل” وعصابته، لكنها تنجو بأعجوبة، وبعد 4 سنوات من الغيبوبة تستيقظ لتجد نفسها وحيدة ومحطّمة وتغمرها رغبة عارمة في الانتقام، وفي الجزء الأول تلاحق “العروس” خصومها في مواجهات دموية عنيفة، أما في الجزء الثاني فيُكشف ماضيها وعلاقتها بـ “بيل” وصولًا إلى المواجهة الحاسمة.
يتميّز الفيلم بتنوع بصري وسردي لافت، إذ ينتقل من مشهد إلى آخر وكأنه يتجوّل بين عوالم سينمائية متباينة، فنشهد مبارزات الساموراي المفعمة بروح السينما اليابانية، وننغمس في رقصات الكونغ فو المستوحاة من الإرث الصيني، ثم تتكشف ملامح الويسترن الإيطالي بصلابته وإيقاعه المهيب، قبل أن يفاجئنا بأحد الفصول المصوَّرة على طريقة الأنمي الياباني، وهذا التنوع لا يشتت الفيلم، بل يثريه ويمنحه فرادة خاصة، ليتشكّل كأرشيف بصري حيّ، ينبض بذاكرة السينما العالمية ويجمعها في لوحة واحدة متكاملة.
لقد أبدعت “أوما ثورمان” في تجسيد شخصية “العروس”، ولا أنسى بقية الممثلين، بمن فيهم: “ديفيد كارادين” بشخصية “بيل”، و”داريل هانا” بشخصية “إيل درايفر”، و”مايكل مادسن” بشخصية “باد”، و”لوسي ليو” بشخصية “أورين إيشي”، الذين قدّموا أداءً متميّزًا.
بلغت ميزانية إنتاج الفيلم بجزأيه حوالي 60 مليون دولار، وقد حقّق نجاحًا كبيرًا بإيرادات تزيد عن 330 مليون دولار في شبّاك التذاكر في أمريكا وبقية دول العالم، إلى جانب الإشادة النقدية الواسعة التي نالها، ومع ذلك، لم يحصد حتى ترشيحًا واحدًا في جوائز الأوسكار، في مفارقة تكشف تحيّز الأكاديمية التي لا تزال تنظر إلى أفلام الأكشن كترفيه عابر، متجاهلة أن هذا الفيلم تحديدًا قد برهن على أن الأكشن يمكن أن يرتقي إلى مصاف الفن الراقي بكل المقاييس، ولذلك سيبقى دائمًا فيلم الأكشن المفضّل بالنسبة إليّ.


