مجتمع

التعليم بعد العودة.. أطفال سوريا بين صدمات الحرب وتحديات الاندماج

أغسطس 27, 2025

التعليم بعد العودة.. أطفال سوريا بين صدمات الحرب وتحديات الاندماج

بعد أكثر من نصف عامٍ على تحرير سوريا واستعادة البلاد، بدأت بعض القطاعات تزهر ويحدو السوريون الأمل بالتطوير، إلا أن الحقبة السابقة وسنين الحرب كان لها انعكاساتها على كثير من القطاعات لا سيما قطاع التعليم.

في ظل هذا الوضع، ومنذ التحرير لم يتوقف السوريون عن التدفق عائدين من دول المهجر لمدنهم وقراهم، مع أطفالهم منتقلين إلى بيئة تعليمية جديدة تماماً عليهم لا تخلو من التحديات.

 

 

الواقع التعليمي الهش بعد سنوات الحرب

تركت الحرب نظاماً تعليمياً هشاً يواجه تحديات كثيرة، فوفقاً لليونسيف فإن أكثر من 7000 مدرسة قد دُمرت أو تضررت أو باتت تستخدم لأغراض غير تعليمية.

كما أورد التقرير السنوي 2024 لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة OCHA أن 2.4 مليون طفل خارج المدرسة في حين أن مليون طفل إضافي مهدد بفقدان التعليم، يضاف إلى ذلك تدهور شديد في البنية التحتية وتفاقم ظاهرة التسرب المدرسي والأمية وهو ما يحد من جودة التعليم وبنفس الوقت يقلل من القدرة الاستيعابية للمؤسسات التعليمية ويجعل من استقبال المدارس للمزيد أمراً مرهقاً.

 

 

اللغة حاجز أمام العودة

يتخوف كثير من الأهالي من قرار العودة لسوريا من دول غير ناطقة بالعربية مثل تركيا وأوروبا واختلاف المناهج وما يترتب عليه من صعوبات. في هذا السياق تؤكد الاختصاصية الاجتماعية ومدربة الأسرة ندى الفوال أن  أهم ما يؤثر على التحصيل العلمي هو مستوى اللغة.

 

 ومع اختلاف وصعوبة المنهج العربي لا سيما السوري مقارنة بالمنهج التركي، فهو منهاج “كثيف وصعب ومعقد، في حين أن المواد الأجنبية لا تتعدى مادتين على الأكثر” وكما أن عدم إتقان اللغة بشكل كافٍ لا سيما في مراحل دراسية متقدمة يخلق صعوبات بالاندماج والتي سيترتب عليها بعض المشاكل وفقاً للفوال.

 

 

 التحديات النفسية

قرار العودة الطوعية بشكل نهائي له تحدياته على الصعيد النفسي للطلاب لا سيما في المراحل المبكرة.

حول ذلك تصرح لسطور الاختصاصية النفسية آلاء زينو، أن أهم التحديات هي صعوبات في الانسجام، وشعور بالعزلة أو الاختلاف، إضافة لمشاكل في التكيف داخل الصف.

 

 خسارة المجتمع والأصدقاء يؤثر على الأطفال كما البالغين، غير أنها وفقاً لزينو”تؤثر بشكل كبير على الطفل لضعف القدرة على التعبير، فتترجم إلى مشاكل مثل العدوانية أو الانطوائية وحتى التبول الليلي”.

 

 وقرار العودة على كثير من الطلاب السوريين ليس الصدمة الأولى بل تضاف إلى رصيد صدمات تلقوها لا سيما أن كثيراً منهم عاشوا صدمة الحرب والتهجير واللجوء، وحول ذلك تؤكد زينو أن عمر الطفل وقت الصدمة يوثر في استجابته، فمن القلق المستمر لنوبات الهلع والخوف الزائد من الانفصال عن الأهل كلها تؤثر بالمحصلة في ضعف التركيز والتحصيل العلمي.  

 

 

صعوبات العودة للتعليم داخل سوريا

تنقسم الصعوبات إلى صعوبات نفسية واجتماعية واقتصادية إضافة للواقع التعليمي الحالي في المدارس.

وفقاً لدعاء أبازيد مديرة مدرسة اليرموك في درعا: “فإن العدد الكبير من الطلبة داخل مدارس اللجوء ومشاكل التهوية والتلوث إضافة لصعوبة الطقس صيفاً وشتاء يعيق العملية التعليمية”. كما أن الانقطاع عن التعليم يعتبر تحدياً كبيراً في دمجهم مجدداً، إضافة لاختلاف اللهجات أو اللغات التي يتحدثونها.  

 

 

الأسرة والمجتمع

دور العودة للدراسة الفعالة يقع على عاتق المؤسسات التعليمية والأهل جنباً إلى جنب، وهنا تؤكد زينو على ضرورة “توقف الوالدين عن تحميل الأطفال فوق طاقتهم خاصة في حال وجود ضغوط اقتصادية عليهم”. كما أن قرار الانتقال وترك الأصدقاء والمحيط للأطفال يؤثر بشدة عليهم على عكس ما يتوقع البعض، إذ تؤكد زينو أن الطفل يحمل هذا الأثر معه في سلوكه وأدائه وتفاعله ويؤثر على اختياره لشريك حياته مستقبلاً”.

 

 

قصص الانتقال: بين الأثر الإيجابي والسلبي

تقول بيان الجاسم وهي والدة لثلاثة طلاب في مراحل دراسية مختلفة إنهم اتخذوا “قرار العودة مبكراً جداً، فبعد أسبوع فقط من تحرير حلب كان القرار يصاغ إلى خطة تنفيذ”.

 

تهيئة الأبناء وتمهيد الموضوع لهم تحتاج إلى وقت، حول ذلك تشير بيان “رغم نتحدث دوماً عن سوريا وحلب على أنها واقع، ولا يذكر أكبر أبنائي عنها شيئاً، إلا أن التهيئة الفعلية أخذت منا فصلاً دراسياً كاملاً”، وأضافت:” ناقشنا المخاوف والإيجابيات معهم بصوت عال، وساعدنا انطوائية أبنائي في تركيا وعدم وجود مجتمع صداقات عميق لهم، الأمر الذي سهل عودتهم”.

 

وعن التحضير والتهئية اللغوية للأطفال تمهيداً لعودتهم لسوريا ذكرت بيان أن: “لغة الدراسة في المدارس السورية هي العربية في حين تُدرس اللغة الفرنسية كلغة أجنبية” ذلك لا يشعرها بالقلق الكبير بل “إنها هيأت أطفالها لغوياً، فهم متمكنون من القراءة والكتابة، لكن يلزمهم التعمق أكثر في مسائل النحو والبلاغة وهو ما ستتكفل به المناهج السورية خلال الأعوام القادمة”.

 

 

واقع المدارس

شهدت المدارس السورية تدفقا ملحوظا للعائدين منذ نهاية العام 2024، وهذا يشكل تحدياً كبيراً لقطاع التعليم، وحول ذلك تصرح دعاء أبازيد بأن “المدارس تعاني أصلاً شحاً بالأساسيات من أثاث ومقاعد، وحتى في القدرة الاستيعابية إذ يبلغ عدد التلاميذ 42  طالباً في الغرفة الصفية الواحدة بمدرستي”.

 

وتضيف بأن “أغلب العائدين لمنطقتنا ومدرستنا هم من الأردن، ولقبولهم لا بدّ من تقديم أوراق ثبوتية بالمرحلة التي أتموها”. وعن مستوى العائدين بالمدرسة تشير دعاء لحالة “الضعف التي لمستها عند أغلب الطلاب العائدين، حيث يتعذر على بعض الطلبة القراءة والكتابة رغم أنهم في الصف الرابع والخامس”. 

 

 

ماذا يقول المختصون؟

الحل وفقاً لكثير من الاختصاصيين يكمن في إعادة النظر للمناهج المقدمة للعائدين، وبناء مناهج تتعاطى مع هذا الاختلاف والتنوع المعرفي الذي يحمله الطلاب، وفي هذا السياق تؤكد ندى الفوال على أهمية “تصميم مناهج ثنائية أو ثلاثية اللغة تدرس وضع المغتربين، مع أهمية وجود مواد داعمة وأساسية باللغة العربية”.

 

ووفقا لها، يتحقق ذلك بإضافة صفوف منفصلة في المدرسة أو في مبنى مجاور بحيث تراعي هذه المناهج صعوبات الاندماج. كما أن وجود البرامج المخصصة كذلك تساعد على تحقيق التكيف والاندماج الفعال، إضافة لأهمية وجود مرشدين نفسيين واجتماعيين للمساعدة بشكل فردي وجماعي.

 

أما على أرض الواقع فإن المدارس تعاني نقصاً حاداً في المرشدين النفسيين إذ تفيد دعاء  أبازيد أن “هناك مرشدة نفسية واحدة لحوالي 600 طالب، الأمر الذي يفاقم من المشكلة ويصعب حلها”.

 

ولدمج العائدين كذلك بشكل فعال تقترح آلاء زينو “ضرورة تنظيم ندوات للأهالي في هذه الفترة الحساسة بهدف التأقلم مع البيئة الجديدة وتقبل الآخر، إضافة للتدريب على مهارات إدارة الضغوط، وتصميم أنشطة للأطفال تعيد بناء الروابط بينهم كالنوادي”.

 

 

رغم انتهاء الحرب، ما تزال آثارها حاضرة في تفاصيل الحياة اليومية، ومنها التعليم. يحتاج الأطفال العائدون إلى ما هو أكثر من مقعد مدرسي؛ يحتاجون إلى جهد مشترك من المؤسسات الرسمية والمجتمع والأسرة ليعودوا فعلاً إلى الطريق الصحيح.

وكما يقاس ازدهار الوطن بتقدم البنية التحتية والقطاعات الاقتصادية فإنه كذلك يُبنى من جديد داخل الصفوف الدراسية ويُعاد رسمه على مقاعد الدراسة، وكما قالت لي طفلة عائدة إلى حمص: “أريد أن أكبر لأصبح معلمة وأعلم الأطفال الذين يعودون مثلنا”.

شارك

مقالات ذات صلة