سياسة
مع سقوط النظام في كانون الثاني/ ديسمبر 2024، وغياب الإعلام الرسمي تحت وطأة الضرورة بعد أخذ مؤسسات متهالكة تغرق في الترهل الإداري وتعيش على رمق أخير، وبنية تحتية متهالكة وأجهزة رديئة لا تصلح للاستخدام وقد عفا عليها الزمن وحلّ عليها غبار الأيام التي تعاقبت عليها وعاشتها في كنف النظام المخلوع الذي صيّرها أدوات رخيصة يطغى عليها التخلف والرجعية، وأصبحت مفرّغة من معنى المؤسسة ومن مضمونها.
انطلاقاً من الواقع المذكور، استغلّت أطراف عديدة غياب الإعلام الرسمي في الأشهر الأولى من التحرير ونشأت الحملات الرقمية المعادية في أحداث أمنية صعبة بدأت من الساحل، حيث التمرّد المسلّح وصعود صفحات تحمل أسماء توثيق الانتهاكات، وما يشكّك في محتواها أسلوب النشر الذي يعتمد على المسارعة لتلقّف كل معلومة تصل إلى بريد الرسائل ونشرها دون التحقق من الحادثة المذكورة وتفاصيلها وصحتها من عدمها، وتضخيم هذه الصفحات من حسابات جديدة المنشأ ظهرت بعد سقوط النظام، أبرز هذه الصفحات صوت العلويين “Voices of Alwites”، إضافة إلى آلاف الحسابات التي نشطت على موقع تويتر من دول عديدة، وينتهي نشاطها إلى مجموعة من الأهداف أبرزها نشر روايات معادية وترويج معلومات مضخّمة ومبالغ فيها، ولا تبتغي بذلك إنصافاً لضحيّة أو إحقاقاً للحقّ بقدر ما تسعى وبكل ما أوتيت من قوة وتوجيهات، لمهاجمة الدولة السورية وتوجيه الطعنات لها.
لم يكن تفجير كنيسة دويلعة حدثاً أقل أهمية لتستثمر فيه حملة جديدة تغمز وتلمز وتلعب على وترين، وتر توجيه اتّهامات مباشرة أو مبطّنة للدولة بالتواطئ أو التسهيل أو التورط بالتفجير ووتر فشلها في منع حدوثه أساساً، ولا تشكر لها إلقاء القبض على منفّذي التفجير خلال ساعات، وتنطلق من هذه الجزئية لتغذية خطاب الكراهية، ولن تحدثك عن إحباط الهجوم في مقام السيدة زينب وإلقاء القبض على الخلية المتورّطة التي تتبع تنظيم داعش، ستحدثك عن كل جريمة جنائية مهما صغرت وتحاول تصييرها ضمن سياق الرواية التي تخدم أهدافها، ولن تحدثك عن إلقاء القبض على الفاعل/ين لاحقاً، ستكتب وتنشر عن كل فتاة فُقدت وتروّج لخطف الفتيات في الساحل وأخدهنّ إلى سوق السبايا، لكن لن تحدثك عن عودة فتاة إلى منزلها سالمة بعد أيام ولا عن خلفية توضّح سبب غيابها، لأنّك المستهدف الذي يُقدّم له أنصاف الحقائق التي يراد بها ناراً تسعّر بالخطاب الطائفي وتحرق الجميع، الجميع بلا استثناء.
يتحدث السيد وزير الإعلام عن وجود 300 ألف حساب على مواقع التواصل تشترك جميعها في تعزيز خطاب الكراهية وإثارة النعرات الطائفية والترويج لمعلومات مضللة.
تتبّعت شخصياً مسار الحملات ونشاط الحسابات وسلوكاتها وخطها في النشر، وتوقيت النشاط المتزايد الذي يتزامن مع وقوع أحداث أمنية صعبة لإحراج الدولة وإرباكها والتشويش عليها، لاسيما أنها وليدة وتحتاج وقتاً للبناء لم تأخذه، ومساحة أوسع يضيّقونها عليها، والغاية الحيلولة دون احتواء المشاكل والدفع لمفاقمتها.
تتوزع الحسابات بين فلول النظام الذين خسروا امتيازات واسعة أخذت بباطل في عهد الاستبداد وأفلَ نجمها عندما خرجت الرصاصة الأخيرة من ساحة الأمويين وأشرقت شمس الحرية من دمشق، وبين مليشيا قسد التي تقدّم نفسها قوة منظمة موازية تتعامل بندّية وتستمر بنشاطها في هذه الحملات كما تستمر بحفر الأنفاق حتى بعد توقيع اتفاق آذار مع السيد رئيس الجمهورية، إضافة إلى الوحدة 8200 في الموساد الذي جهّز جيشاً إلكترونياً بعد سقوط النظام يرفع راية الخمس حدود وعلم الاحتلال جنباً إلى جنب وينطق باسم الدروز وينشد الانفصال ويروّج لسلخ مدينة السويداء عن سوريتها، وتساند الأطراف الثلاثة المتورطة 6 وسائل إعلامية تتصيّد بالماء العكر وتسجّل النقاط وتتخذ خطاً تحريرياً تخفي في طياته السم الذي تنفث به في وجه الرأي العام، ويواجه كل المذكورين 4 ركائز تتجسد بالإعلام الرسمي، وتلفزيون سوريا، ومجموعات من الناشطين الذين تطوعوا وبادروا لمواجهة الحملات الرقمية بمثلها، ومنصة سوريا الآن التي انطلقت حديثاً وتسعى لمخاطبة المجتمع بمهنية وحيادية بعيداً عن الاصطفافات والتوجهات السياسية والخصومة التي تتوارى خلف الخط التحريري.
إنّ الحالة الصعبة التي وجدت الوزارة نفسها فيها، فرضت عليها اتّخاد قرار بإعادة الهيكلة الشاملة لكل المؤسسات، ابتداءً من الإخبارية السورية التي شهدت نقلة نوعية على مستوى الهوية البصرية والبنية التحتية والمعدات والكوادر التي تراكمت عندها الخبرة في الميدان خلال سني الثورة، ولا يمكن مقارنة أدائها أبداً بأداء الكوادر التي آوت إلى النظام المخلوع، على ما فيها من ثغرات سعت الإخبارية لتداركها، إضافة إلى وكالة سانا التي انطلقت بروح مهنية عالية تليق بسوريا الجديدة وتنتقل من موقع رديء يشبه المنتديات القديمة ويعطي مثالاً واضحاً عن التركة الثقيلة، إلى موقع جديد يليق بها، لتكون وكالة أنباء وطنية تمثّل الشعب والدولة معاً، وتدحض الروايات والمعلومات المضللة.
تجري وزارة الإعلام حالياً استعدادات مكثفة لإطلاق إذاعة دمشق، حيث بدأت برفدها بكوادر جديدة، وأمامها مهمة إعادة هيكلة وتنظيم الصحف المحلية في مرحلة لاحقة، وهذا ما يضعها تحت ضغط التأسيس الصحيح وبناء قواعد متينة يشيّد عليها الإعلام الوطني في سوريا الجديدة، وبين افتقاد رفاهية التصدي للحملات الرقمية المعادية، لكن عند الانتهاء من التأسيس سيكون لديها مساحة أوسع وركائز تستند عليها لتتصدى من خلالها للحملات التي أعتقد أنها ستشهد تراجعاً ملحوظاً في حدّتها عند توصل سوريا وإسرائيل لتوقيع اتفاق أمني في شهر أيلول/ سبتمبر القادم.
تهدف الحملات الرقمية المتواترة إلى غايات عديدة أبرزها:
• محاولة منع الاعتراف بحكومة الرئيس الشرع، والضغط باتجاه استمرار العقوبات، وكانت النتيجة بمصافحة جمعت الكبار في رياض القرار التي كان لها وقفة تاريخية داعمة للدولة السورية، وأعلن ترامب منها رفع العقوبات عن سوريا والاعتراف بحكومة الرئيس الشرع الذي أزالت الولايات المتحدة اسمه من قوائم الإرهاب، ويستعد لإلقاء كلمة في الأمم المتحدة في شهر أيلول/ سبتمبر المقبل في حدث تاريخي لم تشهده سوريا منذ 60 عاماً.