سياسة

البرلمان السوري بعد الأسد: بين إرث الهيمنة البعثية وآمال التحول الديمقراطي

أغسطس 25, 2025

البرلمان السوري بعد الأسد: بين إرث الهيمنة البعثية وآمال التحول الديمقراطي

الكاتب: همام فضل الله


في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين تحت الانتداب الفرنسي، كان البرلمان السوري (المجلس النيابي) ساحة رئيسية للصراع بين الحركة الوطنية والسلطات الفرنسية. شكّلت الانتخابات أداة للشرعية وأيضاً منبراً للمعارضة الوطنية بقيادة الكتلة الوطنية المطالبة بالاستقلال. بعد جلاء القوات الفرنسية في 17 نيسان/ أبريل 1946، بدأت سوريا أولى مراحلها البرلمانية المستقلة مع استمرار دور المجلس التشريعي والرقابي وظهور التعددية الحزبية بحضور الحزب الوطني، حزب الشعب، وأحزاب يسارية وقومية.



فترة الأسد الأب والأبن

كان حزب البعث العربي الاشتراكي يسيطر على الأغلبية الساحقة من المقاعد، حيث يشغل وحده 166 مقعداً من أصل 250 كما أن الجبهة الوطنية التقدمية، وهي تحالف يضم أحزاباً موالية للبعث، تحصل على 17 مقعداً إضافياً، أما المستقلون: يُخصص لهم 67 مقعداً، لكنهم يخضعون لفلترة أمنية صارمة قبل قبول ترشحهم.


في عام 1973، أُقر دستور جديد رسّخ نظاماً رئاسياً سلطوياً وجعل حزب البعث “قائداً للدولة والمجتمع”. أُنشئ مجلس الشعب كبرلمان رسمي، لكن تركيبته كانت خاضعة لسيطرة “الجبهة الوطنية التقدمية” بقيادة البعث، حيث حُددت نسبة كبيرة من المقاعد لأعضاء الحزب وحلفائه، مع هامش صغير لمستقلين موالين.


الانتخابات كانت تجري كل أربع سنوات (ثم كل خمس)، لكنها افتقرت إلى المنافسة الحقيقية، إذ كانت القوائم الانتخابية معتمدة مسبقاً من السلطة. وظل دور المجلس أقرب إلى التصديق على القوانين والمراسيم التي تضعها الحكومة أو القيادة القطرية للبعث، مع صلاحيات شكلية في مناقشة الموازنات والسياسات العامة.


مع تولي بشار الأسد السلطة في تموز/يوليو 2000، استمر مجلس الشعب في أداء دوره الشكلي ضمن نظام يهيمن عليه حزب البعث. ورغم تعديل دستور 2012 الذي ألغى النص الصريح على “قيادة البعث للدولة والمجتمع”، بقيت العملية الانتخابية تحت سيطرة الأجهزة الأمنية، مع قوائم انتخابية معدّة سلفاً وضمان أغلبية مريحة للبعث وحلفائه في “الجبهة الوطنية التقدمية”. في هذه المرحلة، لم يتمكن المجلس من لعب دور رقابي أو تشريعي مستقل، بل اقتصر نشاطه على المصادقة على القوانين والمراسيم الرئاسية، وتمرير تشريعات اقتصادية وأمنية تخدم بقاء النظام.

بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، استخدم النظام مجلس الشعب كأداة سياسية في خطاب “الشرعية” داخلياً وخارجياً، من خلال عقد جلسات استثنائية للتنديد بالمعارضة المسلحة و”التدخل الخارجي”، وتمرير قوانين قمعية بذريعة مكافحة الإرهاب. ومع استمرار الحرب وتقلص سيطرة النظام على الأرض، باتت الانتخابات الدورية التي أُجريت في 2016 و2020 أقرب إلى استعراض سياسي، حيث جرت في مناطق محدودة تحت سيطرة القوات الحكومية، مع نسب مشاركة مثيرة للجدل حتى سقوط النظام في 8 كانون الأول/سبتمبر 2024، ظل المجلس بعيداً عن تمثيل الإرادة الشعبية أو صياغة سياسات وطنية، وفقد معظم السوريين الثقة به، باعتباره مؤسسة شكلية مرتبطة بالسلطة التنفيذية، لا برلماناً حقيقياً يعكس التعددية السياسية أو الإرادة الحرة للناخبين وسوف نتحدث هنا عن أبرز القوانين وآلية التشكيل في عهد بشار الأسد.


أولاً: أبرز القوانين في عهد بشار الأسد (2000–2024)

1. التعديلات الدستورية لعام 2012

o  أُلغيت المادة 8 التي تنص على قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع، لكن النظام أبقى السيطرة الفعلية عبر آليات الترشيح والانتخاب.

o  تم تقليص مدة ولاية الرئيس من 7 سنوات إلى 7 سنوات! (أي لم تتغير فعلياً)، مع السماح بولايتين فقط، لكن النص لم يُطبَّق بأثر رجعي على بشار.

2. قانون مكافحة الإرهاب (2012 و2014)

o  منح السلطات الأمنية صلاحيات واسعة للاعتقال والمصادرة ومحاكمة المعارضين بتهم فضفاضة.

o  استُخدم ضد الناشطين السلميين قبل المسلحين.

3. قوانين الاقتصاد والخصخصة المقنّعة (2015–2022)

o  قوانين الاستثمار الجديد (2016-2021) التي سمحت للشركات المرتبطة برجال أعمال مقربين من النظام بالحصول على امتيازات حصرية، خاصة في مجالات الاتصالات والطاقة.

o  قانون تنظيم مناطق السكن العشوائي القانون رقم 10 لعام 2018، الذي سهّل على الدولة الاستيلاء على أملاك المهجرين.


4. قوانين الإعلام والإنترنت (2011–2020)

o  قوانين “الجريمة المعلوماتية” التي فرضت عقوبات على التعبير الرقمي، واستُخدمت لإسكات الأصوات الناقدة على وسائل التواصل.

ثانياً: تشكيل مجلس الشعب خلال الثورة السورية

  • قبل 2011
    • كان المجلس يتألف من 250 عضواً، ثلثاهم تقريباً من حزب البعث، والبقية من أحزاب “الجبهة الوطنية التقدمية” أو مستقلين موالين.
    • التوزيع الجغرافي للأعضاء كان يغطي جميع المحافظات، مع انتخابات تُجرى على كامل الأراضي السورية.
  • بعد 2011 وأثناء الحرب
    • تقلص التمثيل الفعلي لمناطق المعارضة، حيث استُبدلت مقاعد نواب المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بشخصيات من مناطق النظام أو من اللاجئين الموالين.
    • الانتخابات (2016-2020) اقتصرت على مناطق سيطرة النظام، ما أفقد المجلس أي شرعية تمثيلية حقيقية.
    • ازداد حضور النساء في المجلس شكلياً، لكن معظمهن كنّ عضوات في حزب البعث أو زوجات شخصيات نافذة.
  • التحول الأهم
    • تحوّل المجلس من كونه واجهة حزبية تقليدية قبل الثورة إلى واجهة أمنية اقتصادية خلال الحرب، حيث صار أعضاؤه يمثلون مصالح شبكات الولاء للنظام وليس المواطنين.


مجلس الشعب في الوقت الحالي

أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع المرسوم “66” لعام 2025، المتضمن تشكيل لجنة باسم “اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب”، في 13 من حزيران/يونيو، نص المرسوم على إشراف اللجنة العليا على تشكيل هيئات فرعية ناخبة، وتنتخب تلك الهيئات ثلثي أعضاء مجلس الشعب، بينما يعين الرئيس الثلث الأخير، واستلمت الرئاسة السورية النسخة النهائية من النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب في 26 تموز/يوليو، تتمثل أبرز مميزات النظام الانتخابي المؤقت في آلية العمل التي تعتمدها اللجنة العليا للانتخابات، حيث تقوم بتشكيل لجان فرعية على مستوى المناطق داخل المحافظات، إلى جانب لجان مختصة بالنظر في الطعون ولجان أخرى تختار أسماء أعضاء الهيئات الناخبة، بعد ذلك تُعرض هذه الأسماء على المواطنين لإتاحة فرصة تقديم الطعون ضد أي مرشح لا يستوفي الشروط والمعايير التي تحددها اللجنة لاختيار أعضاء الهيئة الناخبة.


بعد الانتهاء من مرحلة الطعون، تُقرّ اللجنة العليا للانتخابات أسماء أعضاء الهيئة الناخبة رسمياً، ليتم من خلالها إجراء عملية التصويت ضمن هذه الهيئة، أما بالنسبة للمناطق التي تشهد توتراً أمنياً أو سياسياً، فما تزال اللجنة تناقش عدة خيارات لإيجاد البديل الأنسب، ولم يتم بعد تحديد الخيار النهائي بشأن هذا الموضوع، وفق ما أكدت اللجنة.


المقارنة بين الآلية الانتخابية المؤقتة والآلية القديمة

الآلية الانتخابية المؤقتة

الآلية القديمة (نظام الأسد)

العنصر

اللجنة العليا للانتخابات تشكل لجان فرعية في المناطق داخل المحافظات، بالإضافة إلى لجان طعون مستقلة.

اللجان الانتخابية تكون مركزية وموجهة غالباً من قبل الأجهزة الأمنية، مع غياب حقيقي للجان الطعون المستقلة.

تشكيل اللجان

يتم ترشيح الأسماء من اللجان الفرعية، ثم تُعرض على المواطنين لتقديم الطعون بناءً على شروط ومعايير شفافة.

يتم اختيار أعضاء الهيئات الناخبة غالباً بشكل مغلق، مع تحكم مسبق من السلطة، دون مشاركة فعلية للمواطنين في الطعون.

اختيار أعضاء الهيئات الناخبة

يحق للمواطنين الطعن في أسماء المرشحين الذين لا تتوافق شروطهم مع المعايير المحددة.

غياب فعلي لآلية طعن حقيقية، مما يؤدي إلى تقليل شفافية العملية الانتخابية.

مشاركة المواطنين في الطعون

تُقرّ رسمياً من اللجنة العليا للانتخابات بعد انتهاء مرحلة الطعون، لضمان نزاهة التشكيل.

الإقرار يتم بشكل رسمي لكن بدون ضمانات حقيقية للنزاهة، وغالباً يكون استكمالاً لقرارات السلطة التنفيذية.

إقرار أعضاء الهيئة الناخبة

توجد عدة خيارات قيد النقاش لاختيار أفضل آلية بديلة لإجراء الانتخابات في المناطق المتوترة، مع بحث مستمر عن الحل الأمثل.

غالباً تُجري الانتخابات فقط في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، مع تجاهل أو إقصاء المناطق المتوترة أو الخارجة عن السيطرة.

تعامل مع المناطق المتوترة

تهدف الآلية إلى تمثيل عادل ومتكافئ لجميع المواطنين عبر المحافظة على التمثيل السكاني والفرص المتساوية.

تميل الآلية القديمة إلى التمثيل غير العادل، مع هيمنة أحزاب السلطة وقصد تهميش فئات من السكان.

الشفافية والعدالة


التطلعات المستقبلية

يتطلع الشعب السوري بعد تحرير سوريا من نظام بشار الأسد إلى حرية أكبر ومشاركة سياسية عادلة وشاملة من دون إقصاء، كما يأمل في المشاركة بالمحافل والانتخابات الوطنية والسياسية بشكل ديمقراطي مع منافسة نزيهة بين المرشحين وأبرزها الانتخابات التشريعية لمجلس الشعب.

اعتبر الناشط السياسي محمد دردة أن القرارات التي ستخرج من مجلس الشعب ستقرر مصيره وفي حال فشلها قد يتحول إلى مجلس الشورى أو مجلس الأمة مثل بعض دول الخليج.


كما أعتبر أن التغيير الحالي هو تحسين لبضع القوانين وليس تغيير النظام الذي طمح إليه السوريون، فإن ما نراه حقيقة ليس تغير النظام بقوانينه ودستوره ولم يتغير شيء سوى بعض التحسينات فالأساس أن تكون اللجنة ومجلس الشعب مستقلين تماماً عن القوانين والدساتير.

وأضاف أيضاً: “أن الدولة لم تبين موقفها حتى الآن من كونها علمانية أم إسلامية وعلى رغم أن مسودة دستور المرحلة الانتقالية ذكرت أن مصدر التشريع هو الفقه الاسلامي إلا أن ما تم إعلانه لا يعبر عن إرادة جماهير الثورة”.

شارك

مقالات ذات صلة