أدب
للعيد أكثر من معنى في اللغة، فيطلق على اليوم الذي يجتمع فيه الناس ويفرحون، إذْ صار اجتماعهم ذلك عادةً، فسُمِّيَ ذلك اليوم عيدا، من التعوُّد والاعتياد.
يطلق العيد أيضا على ما يُعاوِدُك ويخالجك من شوقٍ وحزنٍ وهمّ وغير ذلك، فحين تضع رأسك على المخدة لتنام، فتزورك ذكرى حبيب أو قريب، نسمي تلك الذكرى أو ذلك الشوق: عيدًا. ومنه قول تأبط شرا:
يا عيدُ مالكَ من شوقٍ وإيراقِ – ومرَّ طيف على الأهوال طراق
فالعيد هنا ليس العيد الذي نعرفه ونحتفل به كل عام، بل العيد هنا هوما يعتادُ الشاعرَ (أي يزوره) من شوقٍ إلى محبوبته، فقال يخاطب هذا العيد: مالك من شوق وإيراق، أي مالشوقك وإيراقك، وإتيانك بطيف على الأهوال طرّاق، فهذا العيد زاره بالشوق والإيراق وطيفِ خيال محبوبته طارقا، أي في الليل، واستغرب مجيء خيال محبوبته إليه في ذلك الظرف، فقال -على الأهوال- أي رغمَ الأهوال، فهذا الشوق استطاع أن يأتي الشاعر رغم المخاطر والأهوال المحيطة به، فمع أن المتعرض للمصائب والأخطار لا يجد وقتا لتذكر محبوبته، إلا أن شوق تأبط شرا لمحبوبته لا يستأذن ولا يبالي بالظروف الصعبة التي يعيشها تأبط شرا.
والعيد الذي بهذا المعنى (الشوق والذكرى)، هو كثير في الشعر، ومنه قول الشاعر:
عاد قلبي من الطويلة عيدُ – واعتراني من حبها تسهيدُ
ومنه أيضا قول القطامي:
ما اعتادَ حبُّ سليمى حين معتادِ – ولا تقضّتْ بواقي دينها الطادي
ومنه أيضا قول الحسين بن مطير:
وقد كنتُ أَرْجُو أنْ تموتَ صَبابَتي – إذا قَدُمَتْ أيَّامُها وعُهودُها
فقدْ جَعَلتْ في حَبَّةِ القَلْبِ والحَشا – عِهادُ الهَوى تُولَى بِشَوْقٍ يُعِيدُها
فكان الشعراء يسمون تلك الذكريات أعيادا، لأنهم تعوّدُوها وألِفوها (من العادة).
العيد في اللغة أيضا هو جمع عادة، فالعادة تجمع على عادات، وعلى عيد.
المعنى الرابع للعيد، أنه يطلق على نوع من الشجر الجبلي، لا ينبت فيه ورق ولا زهر، فلا ينبت فيه إلا العيدان، ولذلك سُمّي عِيدًا.
ذُكر العيد كثيرا في الأدب، ولا يكاد يأتي عيد إلا استشهد البعض بهجاء المتنبي كافورًا:
عيدٌ بأية حال عدتَ يا عيدُ – بما مضى أم لأمر فيك تجديدُ
مع أن المتنبي ذكر العيد في إحدى مدائحه لكافور، وهي بائيته:
أغالبُ فيك الشوق والشوقُ أغلبُ – وأعجبُ من ذا الهجر والوصلُ أَعجَبُ
ويقول منها:
وأخلاق كافور إذا شئتُ مدحه – وإن لم أشأ تملي علي وأكتبُ
إذا ترك الإنسان أهلا وراءه – ويمّم كافورا فما يتغرّبُ
ثم يذكر في هذه القصيدة حاله في العيد لعل كافورا يرق له فيقضي حاجته فيقول:
إذا لم تنُطْ بي ضيعةً أو وِلايةً – فجودك يكسوني وشغلك يَسْلُبُ
يضاحكُ في ذا العيد كل حبيبه – حذائي وأبكي من أحبُّ وأندبُ
ابن رشيق القيرواني الأديب المشهور، كان شعره رائقا، وكانت لديه مقطوعات شعرية قصيرة، يصور فيها تصويرا فائق الإبداع. وقد أتى عليه العيد مرة وكان عيدا ماطرا، وكان السلطان المعز بن باديس غائبا إذ ذاك، لم يحضر معهم العيد، فجعل ابن رشيق من هذا مقصدا شعريا جميلا: العيد ماطر والمعز بن باديس غير موجود، فقال ابن رشيق مخاطبا المعز:
تجهَّم العيدُ وانهلّت بوادرُهُ – وكنتُ أعهدُ منه البشرَ والضحكا
كأنهُ جاءَ يطوي الأرض من بُعدٍ – شوقاً إليك، فلما لم يجدك بكى
عشتم طويلا.