مدونات

تأمُّلات حول الذوق الأدبيّ!

أغسطس 20, 2025

تأمُّلات حول الذوق الأدبيّ!

للكاتبة: فاطمة الزهراء حبيدة 

برز مؤخّرًا نقدٌ لاذع طال الكُتّاب الجدد، يُسمّيهم البعض “الكتاب تيكتوكر” كنوعٍ من الإشارة لتطبيق “التيك توك”، إذ عمد الجيل الجديد من بعض الكُتّاب إلى استعمال مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج لكتبهم، ولقاءاتهم الافتراضية مع القُرّاء، كنوعٍ من تقريب الهوة،  هذا الأمر اعتبره بعض الكتاب أنّه مسيئًا ولا يليق بقامة الكتّاب، وطفا هذا الموضوع على السطح، بعد انعقاد عدّة معارض كتب دولية في مختلف الدول العربية، إذ شهدت جموعًآ غفيرةً من الشباب يحيطون بكاتبهم المفضّل، في طوابيرٍ طويلة، وبلغت لحد الإغماء، وإغلاق رواق التوقيع بسبب الحشود الكثيرة والازدحام. تكرّر نفس الوضع في المعرض الدوليّ للكتاب في كلّ من المغرب، والجزائر، ممّا آثار  استياء الكُتّاب وبعض القراء كذلك، واصفين ذلك بتردّي الذوق الأدبي للجيل الحالي، وهو ما أفرز صراعًا  بين جيلين، جيل حديث يدافع عن اختياراته ولا يقبل وصاية أحد، وجيل يُعقّب ويتحسّر عن ما آل له الوضع، ويعتبرون أنّ الكُتّاب يمثّلون “النخبة”، ولا يجوز لهم التدني كثيرًا من القُرّاء، وأن يحافظوا على وهجهم الثقافي.


لا زلت أتذكّر كم خلّفت واقعة المعرض الدوليّ للكتاب بالرباط (المغرب) مع كاتب أتحفظ على ذكر اسمه، والاحتشاد الذي سبّبه حضوره، كمية الجلد والنقد الذي طال الحدث، وذلك كمحاولةٍ لإثارة الانتباه للذوق القرائي لدى الشباب والمراهقين، رغم أنّ أصعب صنف بالنسبة لي، هو أن يكتب الكاتب للمراهقين والشباب، كونهم فئة كبيرة جدًّا في المجتمع، وذوقهم متقلّب، ويصعب جدًّا اختيار المواضيع التي تناسبهم، ولا زالوا يكتشفون ويتلمّسون الصنف الأدبيّ الذي سيرضيهم، فليس سهلًا أن تكون كاتبًا لهذه الفئة أي فئة المراهقين، فصارت عبارة “كاتب المراهقين” كأنّها تبخيس من قيمة العمل في حين أنّ الوضع على العكس من ذلك.

أوّلًا، تستدعي إثارة الانتباه لها، أنّه لا يمكننا ممارسة الوصاية على الآخرين، أنا شخصيًّا لا أحصر نفسي في صنف أدبيّ معين، تارة روايات، ثمّ كتب فكريّة وفلسفيّة ثمّ دينيّة، فالقراءة لا يمكن اخضاعها لضوابط وكأنّنا بصدد وضع تأطير قانوني أو خطوطٍ حمراء لفعل القراءة، أقرأ لأقرأ بكل بساطة، إذ ما أرضى كاتب ما شهية الفضول لدي، فبالتأكيد سأستمر في قراءة أعماله وتتّبعها، بغض النظر عن الأسلوب أو طريقة الكتابة، وإن حصل العكس أحاول إعطاء فرصة لعمل آخر وهكذا، حتى أحسم فيما بعد إذ كنت سأستمر في قراءة باقي أعماله مستقبلًا أم لا.


ثانيًا، إنّ الذوق الأدبي يمرّ عبر درجات، فخلق عادة القراءة لا يحصل بين ليلة وضحاها بل بتدرج وبحسب مستوى القارئ، فالقراءة مثل جرعات الأدوية، إذ ما تجاوزت الحد المنصوص عليه في الوصفة الطبية، ستؤدي دون شك لنتائجٍ عكسيّة، كذلك بالنسبة للقراءة، فالغاية ليست القراءة من أجل القراءة فقط، بل خلق عادة تُعمر لسنوات، أما أن نجعل مراهقًا يحمل كتابًا لفيلسوفٍ لا يفقه في فلسفته شيئًا، فقط من أجل أن يُقال عنه أنّه قارئٌ جيّد، فهذا نوعٌ جديد من النفاق الثقافي.


ثالثًا، لا يجب أن نلوم القُرّاء، بل حتى للكُتّاب نصيب مهم من النقد (النقد البنّاء بطبيعة الحال): كأن يعزّزوا من التسويق لأعمالهم، والتعريف بها، فالكثير من الكتب الفكريّة أو الروايات، أتفاجأ من كمية روعتها وتماسكها، لكنّها تبقى غير معروفة أو حبيسة لشلة المحيطة بالكاتب، وهنا تظهر أهمية القراءات في كتب والروايات، التي توسّع من دائرة التعريف بالكتاب.

وأكتفى بكتابة هذه السطور، لأنّ الموضوع جد متشابك ومتداخل، وأتمنى أن يثير نقاشًا بنّاء، ولا نفرض الوصاية على اختيارات القراء، وندعهم يتطورون في ذوقهم برغبة وبحبّ.

شارك

مقالات ذات صلة