سياسة

مشاهد فاضحة من الحضيض الذي وصلنا إليه!

أغسطس 18, 2025

مشاهد فاضحة من الحضيض الذي وصلنا إليه!

في لقاءٍ تلفزيوني، أهدى مقدّم البرنامج -عضو سابق بالكنيست وصوت بارز للصهيونيّة الدينيّة– رئيس وزراء الكيان المحتلّ خريطة لما يسمّى أرض الميعاد التي تُدعى إسرائيل الكبرى المزعومة والتي تمتد من النيل إلى الفرات، وسأله إن كان يؤمن بهذه الرؤية فأجاب نتنياهو: “جدًّا، وأنّه في مهمة تاريخيّة وروحيّة لتحقيق هذا الهدف”، ومع اختلاف حدود هذا التعريف الذي يستند إلى مرجعيات توراتية مدّعاة، وتتبناه حركات وأحزاب صهيونية من بينها حزب الليكود الذي يترأسه رئيس وزراء الكيان المحتلّ، فإنّ الخريطة التي تلقّاها نتيناهو وأعلن موقفه المؤيد بشدة لها والعامل على تحقيقها تضم: كلّ فلسطين ولبنان والأردن والكويت، وأجزاءً كبيرة من مصر وسوريا والسعودية والعراق، وجزءًا من تركيا.


الردّ الرسميّ جاء على الهيئة المعتادة من الإدانة والاستنكار في بيانٍ لوزارة الخارجيّة المصريّة الذي أشار إلى أنّ مصر “طالبت بإيضاحات لذلك في ظلّ ما يعكسه هذا الأمر من إثارة لعدم الاستقرار وتوجه رافض لتبني خيار السلام بالمنطقة والإصرار على التصعيد”، وأضاف البيان “تؤكد مصر بأنّه لا سبيل لتحقيق السلام إلا من خلال العودة إلى المفاوضات، وإنهاء الحرب على غزّة وصولًا لإقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية، على أساس حلّ الدولتين والقرارات الدوليّة ذات الصلة”. بعدها بيومين صدر بيان إدانة واستنكار آخر باسم وزراء ٣١ دولة عربيّة وإسلاميّة بالإضافة للأمناء العامين لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلاميّ ومجلس التعاون الخليجيّ، والذي كرّر نفس العبارات النمطيّة المستهلكة والمستنكَرة من عموم من يقرأها أو يسمع عنها، والتي لا تخرج عن حيّز الكلام إلى ساحة أدنى درجات الفعل، حيث كرّر البيان التأكيد على أنّ “الدول العربيّة والإسلاميّة سوف تتخذ كافة السياسات والإجراءات التي تؤطر للسلام وتكرّسه، بما يحقّق مصالح جميع الدول والشعوب في الأمن والاستقرار والتنمية، بعيدًا عن أوهام السيطرة وفرض سطوة القوة”.


إعلان رئيس وزراء الكيان المحتلّ جاء في ظلّ استمرار حرب الإبادة الجماعيّة على قطاع غزّة والتي اقتربت من دخول عامها الثالث مع تصاعد جرائم التجويع والمنع من العلاج حتى الموت، في محاولاتٍ متصاعدة ويائسة لكسر صمود أسطوري للشعب الفلسطينيّ العظيم، والقضاء على مقاومة ملهمة لفصائل التحرّر الوطنيّ المذهلة، مع فشل النظام الدوليّ وعجز المنظمات الدوليّة، وغياب تطبيق القانون الجنائيّ الدوليّ والقانون الدوليّ الإنسانيّ، وفُقدان القرارات الدوليّة الحقيقيّة والملزمة، مع تواطؤ أو صمت أو سلبيّة، وبعضٍ من الإجراءات الرمزيّة من دول العالم، وخزيٍ وعار وخذلان من الدول العربيّة والإسلاميّة. كلّ ذلك مع ما استُجد من موافقة مجلس وزراء الكيان المحتلّ على خطة احتلال قطاع غزّة بشكلٍ كامل، وهو القرار الذي صدر من أيامٍ قلائل، وطبعًا لم يمرّ دون ردّ مُتوقَّع تمثّل في البيان المكرّر في الرفض والإدانة والشجب والاستنكار.


ولا يقتصر الأمر -بالطبع- على قطاع غزّة إذ إنّ المخطّط الصهيوني لابتلاع كلّ فلسطين التاريخيّة، واقتلاع الشعب الفلسطينيّ من أرضه ما زال عاملًا ويتقدّم، وآخر مظاهره هذا الأسبوع كان إطلاق مشروعات استيطانيّة جديدة وكبيرة على يد إرهابي آخر يشغل منصب وزير مالية الكيان المحتلّ، والذي صرّح بما هو مستقر في نفوس وعقول الغالبية العظمى من مستوطني الكيان المحتلّ، وقد أصبح معتادًا أن يتردد على ألسنة معظم قادته من أنّهم عاقدو العزم على استكمال مشروعهم، وأنّه ليس لديهم أيّ قبولٍ بقيام أيّ دولةٍ فلسطينيّة، حتى لو كانت في صورة كانتونات معزولة ومنزوعة السلاح والسيادة على أقلّ القليل ممّا تبقى من أرض فلسطين، وأيضًا مع تصريحات رسميّة عن خطوات عمليّة في البحث عن دول تقبل توطين الفلسطينيين المُراد تهجيرهم من غزّة، وآخر تلك الدول التي أُعلن عن اتصالات جارية معها هي دولة جنوب السودان التي كان وزير خارجيتها قد زار الكيان المحتلّ الشهر الماضي، وبحسب مصادر رسميّة مطّلعة فإنّ هناك موافقة مبدئية وأنّ المفاوضات مستمرّة ولم يتمّ التوصل حتى الآن لاتفاق.


بالتزامن مع كل تلك الجرائم البشعة والوحشية وغيرها الكثير، وبعيدًا عن الإدانة بالكلمات الخجولة والخائبة والمتهاوية، وقبل التصريح الوقح من نتنياهو بعدة أيام، جاءت الصدمة المُهينة بالإعلان عن تمديد اتفاقية استيراد مصر للغاز الطبيعي الذي يسرقه الكيان المحتلّ من المياه الإقليميّة الفلسطينيّة في شرق البحر المتوسط، وذلك في صفقة يُحقّق منها الكيان المحتلّ إيرادات متوقعة بقيمة ٣٥ مليار دولار، وقد تضمّن تعديل الاتفاقية مدّ فترة التوريد حتى ١٠ سنوات من تاريخ استكمال المرحلة الأولى أو حتى استهلاك كامل الكمية المتفق عليها أيهما أقرب، وبعد بدء المرحلة الثانية يستمر الاتفاق حتى ٣١ ديسمبر ٢٠٤٠ أو حتى استهلاك الكمية الإجماليّة، مع إمكانية تمديد إضافي لعامين إذا لم يتم استهلاك الكمية المتبقية في نهاية المدة.

يأتي هذا الهوان في ظلّ تصاعد الضغوط الشعبيّة على الحكومات الأجنبيّة في سبيل توسيع وتعميق حركات المقاطعة الاقتصاديّة والدبلوماسيّة والأكاديميّة والثقافيّة والعسكريّة في العديد من بلدان العالم الموزّعة على قاراته الخمس، ومن بينها دول كبرى تمثل حلفاء استراتيجيين للكيان المحتلّ الذي تتوطّد في الوقت نفسه علاقاته ومصالحه مع الدول العربية مع الإعلان المتبجّح والمستهزئ عن مطامعه فيها!!


  • • الأسبوع المقبل بإذن الله أكتب في الإجابة على سؤال: ما العمل للخروج من هذا الحضيض؟
شارك

مقالات ذات صلة