سياسة

التدخل الإسرائيلي في سوريا.. فرض الهيمنة الإقليمية ومنع المنافسين

أغسطس 12, 2025

التدخل الإسرائيلي في سوريا.. فرض الهيمنة الإقليمية ومنع المنافسين

بعد مرور أكثر من 8 أشهر على سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وخروج المليشيات الإيرانية من سوريا، لم تتوقف الطائرات الحربية الإسرائيلية عن شن غاراتها على الأراضي السورية. هذه الضربات، التي تصاعدت وتيرتها في الأسابيع الأولى التي أعقبت انهيار النظام، لم تعد مجرد عمليات عسكرية تستهدف ما تبقى من البنية التحتية للجيش السوري، بل أصبحت تحمل أبعاداً سياسية واستراتيجية أوسع، في ظل تغير المشهد الإقليمي والدولي المحيط بسوريا.

 

منذ اليوم الأول بعد سقوط النظام، كثفت إسرائيل عملياتها العسكرية، مستهدفة المطارات الحربية، والطائرات، ومنظومات الدفاع الجوي، ومراكز البحوث العلمية، ومستودعات الأسلحة، بما فيها الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، فضلاً عن مقار أمنية استخدمها النظام سابقاً في عمليات التعذيب. وقد أدت هذه الغارات إلى تدمير جزء كبير جداً من القدرات العسكرية السورية، بما جعل البلاد في وضع عسكري هش وغير قادر على الرد.


غارة رابعة على اللواء 107 في شهر واحد

قبل أيام فقط، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي غارة جديدة على “اللواء 107” في قرية زاما بمنطقة جبلة في ريف محافظة اللاذقية، شمال غرب سوريا، مستخدماً صواريخ شديدة الانفجار. هذا اللواء تعرض لأربع ضربات إسرائيلية منذ شهر واحد، وأسفرت الغارة الأخيرة عن مقتل شخص وإصابة 3 آخرين، إضافة إلى تدمير مستودعات كانت تحتوي على صواريخ قصيرة المدى. ووفقاً لمصادر محلية، فقد كانت هذه المستودعات مقراً للمليشيات الإيرانية قبل سقوط النظام.

 

 

رغم تدمير معظم البنية العسكرية، ما تزال الطائرات الإسرائيلية تواصل غاراتها، وهو ما يراه مراقبون بأنه يتجاوز مجرد تدمير القدرات العسكرية السورية، ليشكل رسائل سياسية مباشرة، خاصة مع استمرار التوغل الإسرائيلي اليومي في مناطق الجنوب السوري، بما في ذلك أرياف القنيطرة ومنطقة حوض اليرموك بريف درعا، وجبل الشيخ بريف دمشق، جنوبي البلاد.

 

 

 

ثلاثة أهداف استراتيجية لتل أبيب في سوريا
وفي حديث خاص لمنصة “سطور”، قال الخبير في العلاقات السورية الإسرائيلية، خالد خليل، إن الضربات الإسرائيلية في سوريا ليست جديدة، فمنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 أعلنت إسرائيل ظاهرياً سياسة النأي بالنفس، ولم تنخرط سياسياً أو عسكرياً في الملف السوري المشتعل وقتها بشكل مباشر بين أطراف الصراع. لكن في الواقع، اتخذت لنفسها منذ البداية هوامش للتدخل تتعلق بتحديات أمنها القومي، وبنت عقيدتها العسكرية على نظرية التموضع الاستراتيجي، مبررةً ذلك بمحاربة الوجود الإيراني، ونفذت مئات الضربات لمنع تمدد إيران إلى حدودها الشمالية. وكان الجيش الإسرائيلي يطلق على هذه العمليات العسكرية اسم “المعركة بين الحروب”.

 

وأوضح خليل، أن بعد سقوط النظام في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وفرار بشار الأسد إلى روسيا، سارعت تل أبيب بعد ساعات قليلة إلى شن أكبر عملية عسكرية في سوريا منذ حرب 1967، دمّرت خلالها معظم الأصول العسكرية البحرية والجوية والبرية التابعة للدولة السورية. هذا التحول يعكس انقلاباً دراماتيكياً في تعامل إسرائيل مع الملف السوري، إذ لم يعد الأمر مقتصراً على مواجهة إيران والتي كانت وفق قواعد اشتباك شبه مضبوطة ولم تكن تستهدف نظام الأسد المخلوع بشكل مباشر أو متعمد وإنما بشكل تحذيري لإبعاده عن التعاون مع مليشيات الحرس الثوري وحزب الله.

 

وأوضح الخبير في العلاقات السورية الإسرائيلية، أنه منذ صبيحة الثامن من ديسمبر اتخذت الضربات الإسرائيلية في سوريا الجديدة طابعاً أكثر عدائية وشراسة، بهدف خلق واقع أمني يُبقي سوريا دولة هشة وضعيفة.

 

وأشار خليل، إلى أن أهداف إسرائيل اليوم يمكن تلخيصها بثلاث نقاط: أولاً، الاستمرار في نظرية التموضع الاستراتيجي عبر الساحة السورية، خاصة بعد زوال النفوذ الإيراني وانحسار الدور الروسي، وظهور تركيا كمنافس جديد على النفوذ في الساحة السورية. ثانياً، ضمان بقاء سوريا في حالة ضعف لمنع أي تهديدات محتملة وللحصول على مكاسب تفاوضية مستقبلية مع دمشق، خصوصاً في ملفات التطبيع والجولان. ثالثاً، الحفاظ على التفوق العسكري النوعي في المنطقة وفرض تفرده، في ظل تحولات إقليمية كبرى تشمل تراجع المليشيات والفصائل المسلحة في دول عدة، وزوال المشروع الإيراني من المشهد الإقليمي.

 

 

وشدد خليل، على أن هذه السياسة تتقاطع مع التفاعلات السياسية في إسرائيل نفسها، حيث يهيمن اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو ووزيريه إيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي) وبتسلئيل سموتريتش (وزير المالية)، على المشهد. مؤكداً، أن هذا التيار يحاول الهروب من استحقاقات داخلية نحو الدفع إلى استمرار الحروب وإشعال الأزمات الإقليمية.

 

ووفقا لخليل، فإن اليمين المتطرف يلعب في الوقت بدل الضائع في محاولة لمواجهة التحولات الكبيرة في المنطقة والتي تستوجب على إسرائيل إيجاد “إسحاق رابين جديد”، شخصية معتدلة مستعدة للانخراط في حقبة “الدمج الأمني والاقتصادي” وهي في طور التشكل حالياً، مبيناً، أنه بالنسبة لنتنياهو، فإن توقف الحروب، وخاصة حرب الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة، قد يعني نهاية حياته السياسية وبداية مساره نحو المحاكمة والسجن، ما يجعله أكثر تمسكاً بإطالة أمد النزاعات ونقلها إلى ساحات أخرى، ومنها سوريا.

 

 

فراغ روسي.. وتركيا على خط المنافسة

منذ سقوط نظام بشار الأسد، تعيش سوريا مرحلة غير مسبوقة من التحولات الأمنية والسياسية والعسكرية. خروج المليشيات الإيرانية وانحسار النفوذ الروسي تركا فراغاً استراتيجياً في البلاد، سرعان ما دخلت إسرائيل على خط ملئه عبر تكثيف غاراتها الجوية، في أوسع حملة عسكرية تنفذها ضد الأراضي السورية منذ حرب 1967.

 

هذه الضربات لم تكن، وفق المؤشرات الميدانية، مجرد ردود فعل على تهديدات عسكرية، بل جاءت جزءاً من استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل البيئة الأمنية السورية بما يضمن بقاء الدولة في حالة ضعف وهيمنة، ومنع تشكل أي قوة عسكرية منظمة يمكن أن تمثل تهديداً مستقبلياً. وتُظهر طبيعة الأهداف المستهدفة من المطارات الحربية ومنظومات الدفاع الجوي إلى المستودعات ومراكز البحوث أن الهدف لم يعد مقتصراً على تحجيم النفوذ الإيراني كما كان الحال في “المعركة بين الحروب”، بل انتقل إلى مسار نزع السلاح السوري بشكل شبه كامل.

 

المشهد الإقليمي بدوره يؤدي دوراً حاسماً في تفسير هذا السلوك الإسرائيلي. فمع خروج المشروع الإيراني وتراجع دور الفصائل المسلحة في أكثر من ساحة عربية، برزت تركيا كمنافس إقليمي نشط يسعى للتأثير في مستقبل سوريا عبر تفاهمات مع الحكومة الجديدة ودعم ترتيبات أمنية بديلة. إسرائيل، التي لطالما اختبرت الساحة السورية في منافسة مفتوحة مع طهران، وجدت نفسها أمام منافس جديد يهدد هامش حركتها، فاختارت تكريس استراتيجية “التموضع الاستراتيجي” لردع أنقرة وقطع الطريق على أي ترتيبات قد تحد من نفوذها العسكري.

 

 

التصعيد الخارجي كأداة للهروب من أزمات الداخل الإسرائيلي
على الصعيد الداخلي الإسرائيلي، يتقاطع هذا التصعيد مع الأوضاع السياسية الحرجة التي يواجهها بنيامين نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف. فإطالة أمد الحروب وتوسيع نطاقها إلى ساحات إقليمية متعددة، ومنها سوريا، تخدم هدف البقاء في السلطة وتأجيل المحاسبة السياسية والقضائية، خاصة في ظل الانتقادات الداخلية لحرب غزة وضغوط الولايات المتحدة وأوروبا.

 

في ضوء ذلك، تبدو الضربات الإسرائيلية اليوم جزءاً من مشهد إقليمي أوسع يتسم بمرحلة إعادة ترتيب أوراق القوى، حيث تحاول تل أبيب فرض معادلة أمنية جديدة في سوريا تقوم على ثلاث ركائز: نزع السلاح، إبقاء الدولة في حالة هشاشة، وضمان مكاسب سياسية مستقبلية في ملفات حساسة مثل التطبيع والجولان.

شارك

مقالات ذات صلة